فى (الکافى) بسنده عن محمد بن الحسن المکفوف قال: حدثنى بعض أصحابنا، عن بعض فصادى العسکر (1) من النصارى: أن أبامحمد (علیهالسلام) بعث الى یوما فى وقت صلاة الظهر، فقال لى: افصد هذا العرق؛
فقال: و ناولنى عرقا لم أفهمه من العروق التى تفصد، فقلت – فى نفسى -: ما رأیت أمرا أعجب من هذا! یأمرنى أن أفصد فى وقت الظهر، و لیس بوقت فصد، و الثانیة: عرق لا أفهمه؛
ثم قال لى: انتظر، و کن فى الدار. فلما أمسى دعانى و قال لى: سرح الدم. فسرحت، ثم قال لى: أمسک. فأمسکت.
ثم قال لى: کن فى الدار. فلما کان نصف اللیل أرسل الى و قال: سرح الدم.
قال: فتعجبت أکثر من عجبى الأول، و کرهت أن أسأله؛
قال: فسرحت، فخرج دم أبیض کأنه الملح!
قال: ثم قال لى: احبس. قال: فحبست؛
قال: ثم قال: کن فى الدار، فلما أصبحت أمر قهرمانه أن یعطینى ثلاثة دنانیر، فأخدتها و خرجت حتى أتیت ابن بختیشوع النصرانى فقصصت علیه القصة:
قال: فقال لى: والله ما أفهم ما تقول، و لا أعرفه فى شىء من الطب و لا قرأته فى کتاب، و لا أعلم فى دهرنا أعلم بکتب النصرانیة من فلان الفارسى فاخرج الیه.
قال: فاکتریت زورقا الى البصرة، و أتیت الأهواز، ثم صرت الى فارس، الى صاحبى، فأخبرته الخبر؛
قال: و قال: أنظرنى [أمهلنى] أیاما، فأنظرته، ثم أتیته متقاضیا.
قال: فقال لى: ان هذا الذى تحکیه عن هذا الرجل فعله المسیح فى دهره مرة. (2).
أقول: فى کل من الیدین اربعة عروق تفصد عند الحاجة – کما فى الطب القدیم – و هى: الباسلیق و الاکحل، و القیفال و اسیلم. و کل عرق من هذه العروق یتصل ببعض أعضاء الانسان، کالرأس و القلب، و الصدر و الکبد. کما هو مشروح فى کتب الطب القدیم.
و کان الأطباء القدامى یعتبرون الفصد و الحجامة نوعا من انواع علاج بعض الأمراض.
هذه هى العروق المعروفة للفصد، ولکن الامام العسکرى أمر الفصاد أن
یفصد عرقا غیر معروف عند الفصاد، و فى وقت غیر مناسب للفصد، حسب رأى الفصاد.
أقول: و یروى هذا الحدیث بکیفیة اخرى، کما فى (الخرائج):
و منها: ما حدث به نصرانى متطبب بالرى، یقال له: مر عبدا (فطرس خ ل) و قد أتى علیه مائة سنة و نیف و قال:
کنت تلمیذ بختیشوع: طبیب المتوکل، و کان یصطفینى، فبعث الیه الحسن بن على بن محمد بن الرضا (علیهالسلام) أن یبعث الیه بأخص أصحابه عنده لیفصده، فأختارنى و قال:
قد طلب منى ابنالرضا من یفصده، فصر الیه، و هو أعلم – فى یومنا هذا – ممن تحت السماء فاحذر أن تعترض علیه فیما یأمرک به؛
فمضیت الیه فأمر بى الى حجرة و قال: کن [ههنا] الى أن أطلبک:
قال: و کان الوقت – الذى دخلت الیه فیه – جیدا، محمودا للفصد، فدعانى فى وقت غیر محمود له، و أحضر طشتا عظیما، ففصدت الاکحل، فلم یزل الدم یخرج حتى امتلأ الطشت؛
ثم قال لى: اقطع الدم، فقطعت، و غسل یده و شدها، و ردنى الى الحجرة، و قدم من الطعام الحار و البارد شىء کثیر، و بقیت الى العصر؛
ثم دعانى فقال: سرح (3) و دعا بذلک الطشت، فسرحت، و خرج الدم الى أن امتلأ الطشت، فقال: اقطع. فقطعت، و شد یده، و ردنى الى الحجرة، فبت فیها.
فلما أصبحت، و ظهرت الشمس دعانى، و احضر ذلک الطشت، و قال: سرح. فسرحت فخرج من یده (من العرق) مثل اللبن الحلیب، الى أن امتلأ الطشت، ثم قال: اقطع. فقطعت، و شد یده، و قدم الى تخت ثیاب و خمسین دینارا، و قال: خذها، و اعذر، و انصرف. فأخذت و قلت: یأمرنى السید بخدمة؟
قال: نعم، تحسن صحبة من یصحبک من دیر العاقول فصرت الى بختیشوع، و قلت له القصة.
فقال: أجمعت الحکماء على أن أکثر ما یکون فى بدن الانسان سبعة أمنان من الدم، و هذا الذى حکیت لو خرج من عین ماء لکان عجبا؛ و اعجب ما فیه: اللبن!
ففکر ساعة، ثم مکثنا ثلاثة أیام نقرأ الکتب على أن نجد لهذه الفصدة (القصة خ ل) ذکرا فى العالم فلم نجد، ثم قال: لم یبق – الیوم – فى النصرانیة أعلم بالطب من راهب بدیر العاقول فکتب الیه کتابا یذکر فیه ما جرى؛
فخرجت، و نادیته فأشرف على و قال: من أنت؟ قلت: صاحب بختیشوع، قال: معک کتابه؟ قلت: نعم. فأرخى زنبیلا، فجعلت الکتاب فیه، فرفعه فقرأ الکتاب، و نزل من ساعته فقال: أنت الذى فصدت الرجل؟ قلت: نعم. قال: طوبى لامک!!
و رکب بغلا، و سرنا، فوافینا سر من رأى، و قد بقى من اللیل ثلثه.
قلت: أین تحب: دار استاذنا، أم دار الرجل [الامام]؟
قال: دار الرجل.
فصرنا الى بابه قبل الأذان الأول، ففتح الباب، و خرج الینا خادم اسود و قال: أیکما راهب دیر العاقول؟ فقال [الراهب]: أنا، جعلت فداک. فقال: انزل. و قال لى الخادم: احتفظ بالبغلتین.
و أخذ بیده و دخلا، فأقمت الى أن أصبحنا، و ارتفع النهار، ثم خرج الراهب، و قد رمى بثیاب الرهبانیة، و لبس ثیابا بیضا، و قد أسلم، فقال: خذنى (بى خ ل) الآن الى دار استاذک.
فصرنا الى دار بختیشوع، فلما رآه بادر یعدو الیه ثم قال: ما الذى ازالک عن دینک؟ قال: وجدت المسیح! فأسلمت على یده! قال: وجدت المسیح؟!
قال: أو نظیره، فان هذه الفصدة لم یفعلها فى العالم الا المسیح، و هذا
نظیره فى آیاته و براهینه. ثم انصرف [الراهب] الیه، و لزم خدمته الى أن مات (4).
1) فصادین: جمع فصاد و هو الذى یفصد، و نذکر شرح الحدیث فى آخره.
2) الکافى ج 1 / 512.
3) سرح الدم: أى أفصد أیضا، و أرسل الدم حتى یخرج.
4) الخرائج و الجرائح ج 1 / 422.