جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

سعد بن عبدالله بن أبى‏خلف، الأشعرى، القمى

زمان مطالعه: 13 دقیقه

یکنى أباالقاسم، قال النجاشى – فى شأنه -: شیخ هذه الطائفة و فقیهها،

و وجهها و لقى مولانا أبامحمد (علیه‏السلام) و رأیت بعض أصحابنا یضعفون لقاءه لأبى‏محمد، و یقولون: هذه حکایة موضوعة علیه و الله أعلم… و صنف سعد کتبا کثیرة… الى آخره.

أقول: ان مؤلفات سعد بن عبدالله بعضها فى أبواب الفقه، و بعضها فى الردود، و بعضها فى القرآن، و بعضها فى الفضائل و المثالب، و غیر ذلک.

و حول لقائه بالامام العسکرى (علیه‏السلام) أقوال بین علماء الرجال من اثبات و تکذیب أو تضعیف، أو توقف، و لعل سبب التضعیف هو متن الحدیث الذى یروى عن الامام العسکرى (علیه‏السلام)، و نحن نذکر الحدیث، ثم ننظر فى نقاط الضعف من هذا الحدیث لنرى هل تصلح هذه النقاط لتضعیف حدیث سعد؟ و الحدیث طویل، نقتطف منه بعض النقاط المهمة رعایة لاسلوب الکتاب، و نلخص شیئا من صدر الحدیث حتى لا یورث السأم و الملل فى القارى‏ء، فنقول:

روى الشیخ الصدوق فى الجزء الثانى من (اکمال الدین) عن محمد بن على بن محمد بن حاتم النوفلى المعروف بالکرمانى قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن عیسى الوشاء البغدادى قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمى قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشیبانى قال: حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبدالله القمى…

و خلاصة الحدیث: ان سعد بن عبدالله کان یحب جمع الکتب، و کان شدید التعصب فى مذهبه و هو التشیع، و کان کثیر الجدل مع الأعداء.

و فى بعض محاوراته مع رجل من اعداء أهل البیت (علیهم‏السلام) قال له ذلک الناصبى:

«تبا لک یا سعد، و لأصحابک (معاشر الرفضة) تقصدون على المهاجرین و الأنصار بالطعن علیهما (أى الشیخین) و تجحدون من رسول الله (صلى الله علیه و آله) و لایتهما و امامتهما.

هذا الصدیق (یعنى أبابکر) الذى فاق جمیع الصحابة بشرف سابقته؛

أما علمتم أن رسول الله (صلى الله علیه و آله) ما أخرجه مع نفسه الى الغار الا علما منه بأن الخلافة له من بعده، و أنه المقلد لأمر التأویل، و الملقى الیه أزمة الامة، و علیه المعول فى شعب الصدع، و لم الشعث، و سد الخلل، و اقامة الحدود، و تسریب (أى ارسال) الجیوش لفتح بلاد الشرک؟

و کما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، اذ لیس من حکم الاستتار و التوارى أن یروم – الهارب من البشر – مساعدة الى مکان یستخفى فیه؛

و لما رأینا النبى (صلى الله علیه و آله) متوجها الى الانحجاز، و لم تکن الحال توجب الستدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله (صلى الله علیه و آله) بأبى بکر للغار للعلة التى شرحناها.

و انما أبات علیا على فراشه لما لم یکن لیکترث (أى یهتم) به، و لم یحفل به لاستثقاله، و لعلمه بأنه ان قتل لم یتعذر علیه نصب غیره مکانه، للخطوب التى کان یصلح لها!!

قال سعد: فاختلست علیه أجوبة شتى، فما زال یقصد کل واحد منها بالنقض و الرد.

ثم قال: یا سعد! دونکها اخرى، بمثلها تحطم آناف الروافض:

ألستم تزعمون أن الصدیق (یعنى أبابکر) المبرء من دنس الشکوک، و الفاروق (یعنى عمر بن الخطاب) المحامى عن بیضة الاسلام کانا یسران النفاق؟ و استدللتم بلیلة العقبة؟

أخبرنى عن الصدیق و الفاروق أسلما طوعا أو کرها؟

قال سعد: فاختلست لدفع هذه المسألة عنى، خوفا و حذرا من أنى ان أقررت له بطوعهما للاسلام احتج بأن بدء النفاق و نشوه فى القلب لایکون الا عند هبوب روائح القهر و الغلبة، و اظهار البأس الشدید فى حمل المرء على من لیس ینقاد له قلبه نحو قول الله عزوجل: «فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده، و کفرنا بما کنا به مشرکین فلم یک ینفعهم ایمانهم لما رأوا بأسنا» (1).

فان قلت: أسلما کرها کان یقصدنى بالطعن اذ لم یکن – ثمة – سیوف منتضاة کانت تریهم البأس.

و أخیرا قصد سعد دار أحمد بن اسحاق حتى یتعلم منه الجواب لهذه الترهات التى استدل بها ذلک الناصبى.

و کان أحمد بن اسحاق قد خرج نحو مدینة سر من رأى لزیارة الامام العسکرى (علیه‏السلام) و التشرف بلقائه، فالتحق به سعد، و رافقه الى سر من رأى، و اخیرا دخل معه على الامام العسکرى (علیه‏السلام).

قال سعد: و کان على عاتق أحمد بن اسحاق جراب قد غطاه بکساء طبرى، فیه ستون و مائة صرة من الدنانیر و الدراهم، على کل صرة ختم صاحبها.

قال سعد: فما شبهت مولانا أبامحمد (العسکرى) – حین غشینا نور وجهه – الا بدرا قد استوفى من لیالیه اربعا بعد عشر، و على فخذه الأیمن غلام یناسب المشترى (اسم کوکب مضى‏ء) فى الخلقة و المنظر، على رأسه فرق بین و فرتین، کأنه ألف بین واوین، و بین یدى مولانا (العسکرى) رمانة ذهبیة، تلمع بدائع نقوشها، وسط غرائب الفصوص المرکبة علیها، قد کان أهداها الیه بعض رؤساء أهل البصرة، و بیده (أى الامام العسکرى) قلم، اذا أراد أن یسطر به على البیاض قبض الغلام على أصابعه، فکان مولانا ید حرج الرمانة بین یدیه، و یشغله بردها، کیلا یصده عن کتبة ما اراد.

فسلمنا علیه، فألطف فى الجواب، و أومى الینا بالجلوس، فلما فرغ من کتبة البیاض الذى کان بیده، أخرج أحمد بن اسحاق جرابه من طى کسائه، فوضعه بین یدیه، فنظر أبومحمد – العسکرى – علیه‏السلام الى الغلام (و هو الامام المهدى) و قال له: یا بنى! فض الخاتم عن هدایا شیعتک و موالیک.

فقال (الامام المهدى): یا مولاى! أیجوز أن أمد یدا طاهرة الى هدایا نجسة، و اموال رجسة!؟؟ قد شیب (أى أختلط) أحلها بأحرمها؟

فقال مولاى: یابن اسحاق! استخرج ما فى الجراب، لیمیز ما بین الحلال و الحرام منها؛

فأول صرة بدأ أحمد اخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلة کذا بقم، تشتمل على اثنین و ستین دینارا، فیها ثمن حجرة باعها صاحبها، و کانت ارثا له عن أبیه خمسة و اربعون دینارا، و من أثمان تسعة أثواب، أربعة عشر دینارا، و فیها من اجرة الحوانیت ثلاثة دنانیر؛

فقال مولانا: صدقت یا بنى، دل الرجل على الحرام منها.

فقال: فتش عن دینار، رازى السکة، تاریخه سنة کذا (2)، قد انطمس – من نصف احدى صفحتیه – نقشه، و قراضة آملیة (3) و زنها ربع دینار.

و العلة فى تحریمها: أن صاحب هذه الجملة وزن فى شهر کذا على حائک من جیرانه من الغزل منا و ربع من (4) فأتت على ذلک مدة، قیض (5) انتهاءها لذلک الغزل سارقا فأخبر به الحایک صاحبه (أى صاحب الغزل) فکذبه، و استرد منه بدل ذلک منا و نصف من غزلا أدق مما کان دفعه الیه، و اتخذ منه ثوبا، کان هذا الدینار مع القراضة ثمنه.

فلما فتح (أحمد بن اسحاق) رأس الصرة صادف رقعة فى وسط الدنانیر باسم من أخبر عنه، و بمقدارها على حسب ما قال؛

و استخرج الدینار و القراضة بتلک العلامة.

ثم أخرج (أحمد بن اسحاق) صرة اخرى، فقال الغلام (علیه‏السلام): هذه لفلان بن فلان، من محلة کذا، بقم، تشتمل على خمسین دینارا، لا یحل لنا مسها (لمسها خ ل).

قال (الامام العسکرى): و کیف ذاک؟

قال (الامام المهدى): لأنها ثمن حنطة حاف (أى ظلم) صاحبها على أکاره (أى فلاحه) فى المقاسمة؛

و ذلک: انه قبض حصته منها بکیل واف، و کال ما خص الأکار بکیل بخس؛

فقال مولانا: صدقت یا بنى؛

ثم قال: یابن اسحاق! احملها بأجمعها لتردها، أو توصى بردها على اربابها، فلا حاجة لنا فى شى‏ء منها، و ائتنا بثوب العجوز!

قال أحمد: و کان الثوب فى حقیبة لى، فنسیته.

فلما انصرف أحمد بن اسحاق لیأتیه بالثوب نظر الى مولانا أبومحمد (علیه‏السلام) فقال: ما جاء بک یا سعد؟

فقلت: شوقنى أحمد بن اسحاق الى لقاء مولانا.

قال: فالمسائل التى أردت أن تسأل عنها؟

قلت: على حالها.

قال: فاسأل قرة عینى (و أومأ الى الغلام) عما بدالک منها.

فقلت له (أى للامام المهدى): مولاى و ابن مولاى! انا روینا عنکم: أن رسول الله (صلى الله علیه و آله) جعل طلاق نسائه بید أمیرالمؤمنین (علیه‏السلام) حتى أرسل – یوم الجمل – الى عائشة: «انک قد رهجت (6) على الاسلام و أهله بفتنتک، و أوردت بنیک حیاض الهلاک بجهلک، فان کففت غربک (7) و الا طلقتک».

و نساء رسول الله (صلى الله علیه و آله) قد کان طلاقهن وفاته (8).

فقال (علیه‏السلام) لى: و ما الطلاق؟

قلت: تخلیة السبیل.

قال: و اذا کان بوفات رسول الله (صلى الله علیه و آله) خلالهن السبیل، فلم لا یحل لهن الأزواج؟

قلت: لأن الله (تبارک و تعالى) حرم الأزواج علیهن.

قال: کیف و قد خلى الموت سبیلهن؟

قلت: فأخبرنى – یابن مولاى – عن معنى الطلاق الذى فوض رسول الله (صلى الله علیه و آله) حکمه الى أمیرالمؤمنین (علیه‏السلام).

قال: ان الله (تبارک و تعالى) عظم شأن نساء النبى (صلى الله علیه و آله) فخصهن بشرف الامهات، فقال رسول الله (صلى الله علیه و آله): «یا أباالحسن ان هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأیتهن عصت الله بعدى بالخروج علیک، فأطلق لها فى الأزواج و أسقطها من شرف امومة المؤمنین».

قلت: فأخبرنى عن الفاحشة المبینة التى اذا أتت بها فى أیام عدتها حل للزوج أن یخرجها؟

قال: الفاحشة المبینة هى السحق (9) دون الزنا، فان المرأة اذا زنت و اقیم علیها الحد لیس لمن أرادها أن یمتنع بعد ذلک من التزویج بها لأجل الحد؛

و اذا سحقت وجب علیها الرجم، و الرجم خزى، و من قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، و من اخزاه فقد أبعده، و من أبعده فلیس لأحد أن یقربه.

قلت: فأخبرنى – یابن رسول الله – عن أمر الله (تبارک و تعالى) لنبیه: موسى (علیه‏السلام): «فاخلع نعلیک انک بالواد المقدس طوى) فان فقهاء الفریقین یزعمون انها (أى نعله) کانت من اهاب (أى جلد) المیتة!!

فقال (علیه‏السلام): من قال ذلک فقد افترى على موسى (علیه‏السلام) و استجهله فى نبوته، لأنه ما خلا الأمر من خطبین (10).

1 – اما أن تکون صلاة موسى (علیه‏السلام) فیها جایزة، أو غیر جایزة، فان کان صلاته جایزة جاز له لبسهما فى تلک البقعة، و ان کانت مقدسة مطهرة فلیس بأقدس و أطهر من الصلاة.

2 – و ان کانت صلاته غیر جایزة فیهما فقد أوجب على موسى انه لم یعرف الحلال من الحرام، و علم ما لم تجز فیه الصلاة و ما تجوز، و هذا کفر.

قلت: فأخبرنى یا مولاى عن التأویل فیهما؟

قال: ان موسى (علیه‏السلام) ناجى ربه بالواد المقدس، فقال: یا رب انى قد أخلصت لک المحبة منى، و غسلت قلبى عمن سواک، و کان شدید الحب لأهله.

فقال الله (تبارک و تعالى): «اخلع نعلیک» أى انزع حب أهلک من قلبک، ان کانت محبتک لى خالصة، و قلبک من المیل الى من سواى مغسولا.

قلت: فأخبرنى (یابن رسول الله) عن کهیعص؟

قال: هذه الحروف من أنباء الغیب، أطلع الله علیها عبده زکریا (علیه‏السلام) ثم قصها على محمد (صلى الله علیه و آله)، و ذلک:

أن زکریا سأل ربه أن یعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط علیه جبرئیل (علیه‏السلام) فعلمه ایاها، فکان زکریا اذا ذکر محمدا و علیا و فاطمة و الحسن (علیهم‏السلام) سرى عنه و انجلى کربه، و اذا ذکر الحسین (علیه‏السلام) خنقته العبرة، و وقعت علیه البهرة (11).

فقال – ذات یوم -: الهى! ما بالى اذا ذکرت أربعا منهم تسلیت بأسمائهم من همومى، و اذا ذکرت الحسین تدمع عینى، و تثور زفرتى؟؟

فأنبأه الله (تعالى) عن قصته، و قال: کهیعص.

فالکاف اسم کربلا، و الهاء: هلاک العترة، و الیاء: یزید (لعنه الله) و هو ظالم الحسین، و العین: عطشه، و الصاد: صبره.

فلما سمع ذلک زکریا (علیه‏السلام) لم یفارق مسجده ثلاثة أیام، و منع فیها الناس من الدخول علیه، و أقبل على البکاء و النحیب، و کانت ندبته:

الهى! أتفجع خیر خلقک بولده؟

أتنزل بلوى هذه الرزیة بفنائه؟

الهى! أتلبس علیا و فاطمة ثیاب هذه المصیبة؟

الهى! أتحل کربة هذه الفجیعة بساحتهما؟

ثم کان یقول: الهى! ارزقنى ولدا تقربه عینى على الکبر،… ثم افجعنى به کما تفجع محمدا حبیبک بولده؛

فرزقه الله یحیى (علیه‏السلام) و فجعه به، و کان حمل یحیى ستة أشهر، و حمل الحسین (علیه‏السلام) کذلک، و له قصة طویلة؛

قلت: فأخبرنى – یا مولاى – عن العلة التى تمنع القوم عن اختیار امام لأنفسهم.

فقال: مصلح أو مفسد؟

قلت: مصلح.

قال: فهل یجوز (أى یمکن) أن تقع خیرتهم على المفسد بعد أن لا یعلم أحد بما یخطر ببال غیره من صلاح أو فساد؟

قلت: بلى.

قال: فهى العلة، أوردها ببرهان یثق به عقلک:

أخبرنى عن الرسل الذین اصطفاهم الله، و انزل الکتب علیهم، و أیدهم بالوحى و العصمة، اذ هم أعلا الامم، و أهدى الى الاختیار منهم، مثل موسى و عیسى (علیهم‏السلام) هل یجوز – مع وفور عقلهما، و کمال علمهما، اذا هما بالاختیار – أن تقع خیرتهما على المنافق، و هما یظنان أنه مؤمن؟

قلت: لا.

فقال: ان موسى، کلیم الله مع وفور عقله، و کمال علمه، و نزول الوحى

علیه، اختار من أعیان قومه، و وجوه عسکره لمیقات ربه سبعین رجلا، ممن لا یشک فى ایمانهم و اخلاصهم، فوقعت خیرته على المنافقین؛

قال الله – عزوجل -: «و اختار موسى قومه سبعین رجلا لمیقاتنا… الى قوله: لن نؤمن لک حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم» (12).

فلما وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح، و هو یظن انه الأصلح، علمنا: أن لا اختیار الا لمن یعلم ما تخفى الصدور و تکن الضمائر، و تتصرف علیه السرائر.

و أن لا خطر (اعتبار) لاختیار المهاجرین و الأنصار – بعد وقوع خیرة الأنبیاء على – ذوى الفساد.

ثم قال مولانا – المهدى – (علیه‏السلام): یا سعد!

و حین قال خصمک: ان رسول الله (صلى الله علیه و آله) ما أخرج معه مختار هذه الامة (یعنى ابابکر) الى الغار الا علما منه أن الخلافة له من بعده، و أنه هو المقلد امور التأویل، و الملقى الیه أزمة الامة، المعول علیه فى لم الشعث، و سد الخلل و اقامة الحدود، و تسریب الجیوش لفتح بلاد الکفر فکما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، اذ لم یکن حکم الاستتار و التوارى أن یروم الهارب من البشر مساعدة من غیره الى مکان یستخفى فیه. و أنما أبات علیا على فرشه لما لم یکن یکترث له و لا یحفل به، و لاستثقاله ایاه، و علمه بأنه ان قتل لم یتعذر علیه نصب غیره مکانه للخطوب التى کان یصلح لها».

فهلا نقضت علیه دعواه بقولک: الیس قال رسول الله (صلى الله علیه و آله): «الخلافة بعدى ثلاثون سنة» فجعل هذه (المدة) موقوفة على أعمار الأربعة

الذین هم الخلفاء الراشدون فى مذهبکم، و کان لا یجد (أى الناصبى) بدا من قوله: بلى.

فکنت تقول له – حینئذ -: ألیس کما علم رسول الله (صلى الله علیه و آله) أن الخلافة بعده لأبى بکر، علم أنها من بعد أبى‏بکر لعمر، و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلى؟

فکان (الناصبى) أیضا لا یجد بدا من – قولک له – نعم.

ثم کنت تقول له: فکان الواجب على رسول الله (صلى الله علیه و آله) أن یخرجهم جمیعا على الترتیب الى الغار، و یشفق علیهم کما اشفق على أبى‏بکر، و لا یستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بترکه ایاهم، و تخصیصه أبابکر باخراجه مع نفسه دونهم؟؟

و لما قال (الناصبى): أخبرنى عن الصدیق و الفاروق: أسلما طوعا أو کرها لم لم تقل له: بل أسلما طمعا، لأنهما کانا یجالسان الیهود، و یستخبرانهم عما کانوا یجدون فى التوراة، و سایر الکتب المتقدمة، الناطقة بالملاحم، من حال الى حال، من قصة محمد (صلى الله علیه و آله)، و من عواقب أمره؛

فکانت الیهود تذکر أن محمدا (صلى الله علیه و آله) یسلط على العرب، کما کان بخت النصر مسلطا على بنى‏اسرائیل، و لابد له من الظفر بالعرب، کما ظفر بخت النصر ببنى اسرائیل، غیر انه کاذب فى دعواه.

فأتیا محمدا (صلى الله علیه و آله) فساعداه على شهادة ان لا اله الا الله، و بایعاه طمعا فى أن ینال کل واحد منهما من جهته ولایة بلد، اذا استقامت اموره، و استتبت أحواله، فلما أیسا من ذلک تلثما، و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقین على أن یقتلوه، فدفع الله کیدهم، و ردهم بغیظهم لم ینالوا خیرا؛

کما أتى طلحة و الزبیر علیا (علیه‏السلام) فبایعاه، و طمع کل واحد منهما أن ینال من جهته ولایة، فلما أیسا نکثا بیعته، و خرجا علیه، فصرع الله کل واحد منهما مصرع أشباههما من الناکثین؛

قال (سعد): ثم قام مولانا الحسن بن على الهادى (علیه‏السلام) الى الصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، و طلبت أثر أحمد بن اسحاق، فاستقبلنى باکیا، فقلت: ما أبطأک؟

قال: فقدت الثوب الذى سألنى مولاى احضاره.

فقلت: لا علیک، فأخبره.

فدخل علیه، و انصرف من عنده مبتسما و هو یصلى على محمد و آله.

فقلت: ما الخبر؟

قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمى مولانا، یصلى علیه.

قال سعد: فحمدنا الله (جل ذکره) على ذلک، و جعلنا نختلف بعد ذلک الى منزل مولانا أیاما، و الغلام (الامام المهدى) بین یدیه.

فلما کان یوم الوداع دخلت انا و (رجلان) کهلان من أرضنا، و انتصب أحمد بن اسحاق بین یدیه قائما، و قال: یابن رسول الله! قد دنت الرحلة، و اشتدت المحنة، و نحن نسأل الله أن یصلى على المصطفى جدک، و على المرتضى أبیک، و على سیدة النساء امک، و على سیدى شباب أهل الجنة: عمک و أبیک، و على الأئمة الطاهرین من بعدهما: أبائک، و أن یصلى علیک و على ولدک؛

و نرغب الى الله أن یعلى کعبک (13) و یکبت عدوک، و لا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائک.

قال (سعد): فلما قال (أحمد بن اسحاق) هذه الکلمات، استعبر مولانا (علیه‏السلام) حتى استهلت دموعه و تقاطرت عبراته، ثم قال: یابن اسحاق! لا تکلف فى دعائک شططا فانک ملاقى الله فى صدرک (14) هذا.

فخر أحمد مغشیا، فلما افاق قال: سألتک بالله، و بحرمة جدک الا شرفتنى بخرقة أجعلها کفنا.

فأدخل مولانا (علیه‏السلام) یده تحت البساط، فأخرج ثلاثة عشر

درهما، فقال: خذها، و لا تنفق على نفسک غیرها، فانک لم تعدم ما سألت (أى الکفن) فان الله تبارک و تعالى لا یضیع أجر من أحسن عملا؛

قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (علیه‏السلام) من حلوان على ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن اسحاق (أى أصابته الحمى)، و صارت علیه علة متعبة ایس من حیاته فیها.

فلما وردنا حلوان، و نزلنا فى بعض الخانات دعى أحمد بن اسحاق برجل من أهل بلده، کان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عنى هذه اللیلة، و اترکونى وحدى.

فانصرفنا عنه، و رجع کل واحد منا الى مرقده، فلما حال أن ینکشف اللیل عن الصبح، أصابتنى فکرة، و فتحت عینى فاذا أنا بکافور الخادم: خادم مولانا أبى‏محمد (علیه‏السلام) و هو یقول: أحسن الله بالخیر عزاءکم، و جبر بالمحبوب رزیتکم!

قد فرغنا من غسل صاحبکم و تکفینه، فقوموا لدفنه، فانه من أکرمکم محلا عند سیدکم.

ثم غاب عن أعیینا، فاجتمعنا على رأسه (أى عند جثمان أحمد) بالبکاء و العویل، حتى قضینا حقه، و فرغنا من أمره (15).

أقول: هذا الحدیث ذکرناه بطوله، مع تلخیص بعض مواضعه، و انت ترى انه لا یوجد فیه ما یناقض العقل أو النقل، أو الکتاب أو السنة.

و اما المواضع التى اعتبرها بعض الأعلام من نقاط الضعف فى هذا الحدیث فهى کما یلى:

1 – ان الامام العسکرى (علیه‏السلام) کان ید حرج الرمانة الذهبیة على الأرض حتى یلعب به الامام المهدى (علیه‏السلام) لأنه کان یمسک على القلم فى ید والده، و یمنعه عن کتابة الکتاب، بینما نرى الامام المهدى (علیه‏السلام)

یخبر أحمد بن اسحاق عن الأموال التى جاء بها و غیر ذلک من الامور المذکورة فى الحدیث، و هذا – و لا شک – اخبار بالمغیبات، فکیف ینسجم اللعب بالرمانة مع علم الامام و مقام الامامة؟

هذه احدى نقاط الضعف فى هذا الحدیث، مع العلم أن أمثال هذه الامور توجد فى حیاة الأئمة (علیهم‏السلام) کثیرة جدا.

فقد وردت أحادیث کثیرة فى کتب الفریقین ان الامام الحسن أو الامام الحسین (علیهماالسلام) کان یرکب ظهر رسول الله (صلى الله علیه و آله) و هو ساجد فى حال الصلاة، فکان رسول الله یطیل سجوده حتى ینزل عن ظهره.

و هکذا وردت أحادیث کثیرة ان الامام الحسین (علیه‏السلام) بال فى حجر رسول الله (صلى الله علیه و آله) و هو رضیع.

مع العلم أن رسول الله (صلى الله علیه و آله) قال فى حقهما: «الحسن و الحسین امامان، قاما أو قعدا» و قال (صلى الله علیه و آله): «ألا: ان الحسین مصباح الهدى و سفینة النجاة» و قد احضرهما رسول الله معه حین المباهلة مع النصارى، و هکذا نزلت آیة التطهیر فى حقهما فهل تنسجم تلک الأعمال مع مقام الامام و الامامة؟

و مما لا شک فیه أن للأئمة الطاهرین (علیهم‏السلام) حالات فى أیام صغرهم و أیاهم کبرهم، فقد تکون حالاتهم طبیعیة، عادیة کسائر الناس، فیتجاهلون تجاهل العارف، و کأنهم لا یعلمون من الامور سوى الظاهر.

و قد تکون حالاتهم غیر عادیة، کاخبارهم عن المغیبات، و اجابتهم عن الأحکام الشرعیة و هم فى سن الطفولة، و الأمثلة کثیرة، ولو اردنا ذکر بعضها لطال الکلام و خرج الکتاب عن اسلوبه.

النقطة الثانیة من نقاط الضعف فى هذا الحدیث هى وفاة أحمد بن اسحاق فى حلوان و فى زمن الامام العسکرى (علیه‏السلام) مع العلم أن فى بعض الأحادیث أن أحمد بن اسحاق مات سنة مائتین و ثمانین من الهجرة، أى

عشرین سنة بعد وفاة الامام العسکرى (علیه‏السلام) و قیل: أکثر. و لم یمت فى حیاة الامام العسکرى (علیه‏السلام).

و یمکن أن نجیب على هذا ان محمد بن جریر الطبرى الامامى ذکر فى (دلائل الامامة) هذا الخبر بسنده عن أبى‏القاسم عبدالباقى بن یزداد بن عبدالله البزاز، قال: حدثنا أبومحمد عبدالله بن محمد الثعالبى – قراءة – فى یوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعین و ثلاثمائة، قال: أخبرنا أبوعلى: أحمد بن محمد بن یحیى العطار، عن سعد بن عبدالله بن خلف القمى: قال…

و لا یوجد فى آخره تودیع سعد بن عبدالله مع الامام العسکرى (علیه‏السلام) و وفاته فى تلک السنة فى حلوان، و انما آخر الحدیث هکذا:

«و جعلنا نختلف الى مولانا أیاما، فلا نرى الغلام (علیه‏السلام) (16).

هذا، و قد ذکر المرحوم المامقانى فى ترجمة سعد بن عبدالله، ردودا کثیرة على الأقوال التى تضعف هذا الخبر، و الله العالم.

النقطة الثالثة: ضعف السند، و هذا الضعف ینجبر بذکر الشیخ الصدوق لهذا الحدیث فى کتابه: (اکمال الدین).

ثم ان هناک أحادیث کثیرة، رواتها ضعفاء، أو متهمون بالغلو أو ماشابه ذلک ولکن أحادیثهم مقبولة عند الأصحاب کالأحادیث المرویة من ابن أبى‏حمزة البطائنى، و الشلمغانى، و بنى‏فضال، و أمثالهم مما یطول الکلام بذکرهم، فلیکن هذا الحدیث – من ناحیة السند – کالأحادیث الصحیحة المرویة عن بعض الغلاة.

ذکرت هذه التعلیقة على هذا الحدیث بصورة موجزة، مع العلم أن الحدیث یتطلب المزید من الشرح لرد نقاط الضعف المتصورة فى هذا الحدیث، و فى هذا المقدار کفایة.


1) سورة غافر 40: 84.

2) رازى: منسوب الى الرى، أى الدینار المسکوک فى الرى، و علیه تاریخه سنة کذا.

3) المقصود من القراضة – هنا -: قطعة من المسکوک فى آمل، بلدة فى مازندران.

4) المن: من الأوزان المتعارفة فى ذلک الزمان، یستعمل هذا الوزن فى زماننا فى بعض البلاد.

5) قیض الله له کذا أى قدر له ان سارقا سرق ذلک الغزل.

6) رهجت: شغبت.

7) غرب اللسان: حدته.

8) هذا کلام سعد بن عبدالله.

9) السحق: المساحقة و هى ان تدلک المرأة فرجها بفرج امرأة اخرى.

10) أى حکم لبس النعل واحد من اثنین: اما جایز و اما غیر جایز.

11) البهرة: تتابع النفس.

12) أقول: هذه الآیة بهذه الکیفیة لا توجد فى القرآن و انما صدر الآیة مذکورة فى سورة الأعراف آیة 155، و آخرها فى سورة النساء آیة 153، و بناء على صحة الخبر فاما أن جمع الامام المهدى (علیه‏السلام) بین الآیتین من السورتین، و اما حصلت الزیادة من الراوى أو النساخ و الله العالم.

13) معناه: الشرف و الرفعة.

14) صدرک: رجوعک.

15) اکمال الدین / 454 باب 43 حدیث 21.

16) دلائل الامامة / 274 – 281.