لقد رافق الامام العسکرى (علیهالسلام) أباه: الامام الهادى (علیهالسلام) فى ترحیله، و ابعاده من المدینة المنورة الى سامراء، و عمره سنتان أو أربع سنوات، و عاش مع والده فى سر من رأى أحدى و عشرین سنة، و قد خیمت على حیاة والده سحائب المآسى و الآلام.
فهو (علیهالسلام) یرى والده العظیم یعیش فى أجواء الاضطهاد و الکبت، من ابعاده من مدینة جده الأقدس (صلى الله علیه و آله) و مسقط رأسه، و وطن آبائه الطاهرین، و اقامة جبریة فى بیته، و فى معترک الفتن و المشاغبات و المؤامرات.
و من الواضح أن المشاکل التى عاناها الامام الهادى من اولئک الطواغیت شملت ابنه الامام العسکرى أیضا، لأنه عاصر تلک القضایا و الحوادث فى حیاة والده.
فالسلطات الغاشمة – بدء بالمتوکل الى المنتصر، الى المستعین، الى المعتز – ما کان یهدؤ لهم بال من وجود الامام الهادى (علیهالسلام).
فالمتوکل الذى جلب الامام الهادى الى سامراء (بأنواع الحیلة و المکر) لیکون تحت الرقابة المشددة، ممنوعا عن کل تصرف، و لتکون حرکاته و سکناته، و لقاءاته، بمرأى و مسمع من السلطة و لیکون فى متناول ید المتوکل متى ما شاء أن یقتله قتله، مع ذلک کان ینزعج هو و حاشیته من وجود الامام الهادى. و قد ذکرنا بعض ما یتعلق بهذه المواضیع فى کتاب (الامام الهادى).
و لهذا من الصحیح أن نقول: ان الامام العسکرى (علیهالسلام) منذ نعومة أظفاره کان یعیش مع والده العظیم حیاة مشفوعة بأنواع المآسى و الآلام، و الحرمان عن أبسط حقوق الانسان؛
و اخیرا: فجع بوالده الذى قضى نحبه مسموما، و منعت السلطات من تشییع جثمانه الطاهر بسبب کثرة بکاء الناس و ضجیجهم، و أجبروا أولاده أن یدفنوه فى بیته. و قد ذکرنا هذه الامور فى الکتاب المذکور.
و لما استقل بأعباء الامامة بعد شهادة ابیه: الامام الهادى (علیهالسلام) توجهت سهام الأعداء الیه مباشرة، وقام المناوئون بمحاولات شیطانیة، و جهود کافرة لاطفاء نور الله.
و ستقرأ – فى هذا الکتاب – أن الکثیرین من الناس ما کانوا یستطیعون الحضور و المثول عند الامام فى بیته بسبب الرقابة المشددة علیه من قبل السلطة، بل کان أرباب الحوائج یقفون فى أثناء طریق الا مام لعلهم یستطیعون بیان حوائجهم، و السؤال عن قضایا دینهم و دنیاهم و آخرتهم!
و قد فرضت السلطة علیه أن یحضر فى دار الخلافة فى کل اسبوع مرتین، لا لشىء سوى اثبات وجوده فى سامراء، کما تفرض السلطات – الیوم على المحکوم علیه بالابعاد عن بلده، و الاقامة الجبریة فى بلد آخر – الحضور فى دائرة الشرطة یومیا، مرة أو أکثر، لیوقع – هناک – اثباتا لوجوده فى تلک البلدة.
و فى نفس الوقت کان الامام فى مسیره الى دار الخلافة محاطا بالجواسیس الذین یراقبون حرکاته و اتصال الناس به، الى درجة أن الذى کان یسلم على الامام کان یخاطر بحیاته.
و کان الامام یکتب فى ورقة: «ألا: لا یسلمن على أحد، و لا یشیر الى بیده، و لا یومىء فانکم لا تومنون على انفسکم» و یرسلها الى الذین ینتظرون خروجه من بیته لیلتقوا به فى أثناء الریق؛
و بالرغم من ذلک الجو المکهرب المکفهر، و مع وجود ذلک الضغط و الکبت المنبعث من تلک القلوب الملیئة بالحقد و العداء، بالرغم من هذه الامور کان الامام العسکرى (علیهالسلام) ینتهز کل فرصة لیؤدى بعض متطلبات الامامة الکبرى، و لوازم القیادة العظمى التى القیت على کاهله فى حدود القدرة و الاستطاعة، و مع التحفظ على جمیع الجوانب التى ینبغى مراعاتها.
فمثلا: کان أکثر الناس (بما فیهم العباسیون) قد سمعوا الکثیر أو القلیل من الأحادیث المرویة عن رسول الله (صلى الله علیه و آله) و الأئمة (علیهمالسلام) حول الامام المهدى (علیهالسلام) و أنه الثانى عشر من أئمة أهل البیت، و أنه الذى یملأ الدنیا قسطا و عدلا، بعد أن تملأ ظلما و جورا.
و کان اولئک الظالمون الجائرون یعرفون أنفسهم و أعمالهم، و یعلمون ان الامام المهدى الموعود هو الذى یقوض عروشهم، و یدمر کیانهم، و یحطم حکوماتهم.
فکان اولئک المساکین المجانین یبذلون أقصى جهودهم و مساعیهم للحیلولة دون ذلک.
فتارة: کان الحاکم العباسى یأمر بحبس الامام فى السجون العامة، و تارة کان یسلمه الى جلاوزته لیحبسوه فى بیوتهم کیلا یرى أحدا و لا یراه أحد، و تارة کان یأمر بتسییر الامام الى الکوفة و اغتیاله فى أثناء الطریق تغطیة للجریمة، و خوفا من نقمة الشعب الموالى للامام (علیهالسلام).
کل ذلک للحیلولة دون ولادة الامام المهدى (علیهالسلام).