لقد تمیّز عصر الإمام الهادی (علیه السلام) عن عصر أبیه الإمام محمد الجواد(علیه السلام) بزیادة الکبت والضغط علیه من قبل السلطة حتى کانت الرقابة الدائمة هی الأمر الممیز والفارق الواضح فی حیاته وحیاة ابنه الإمام الحسن العسکری (علیه السلام).
کما ان الإمام الهادی (علیه السلام) شارک أباه الجواد (علیه السلام) فی تولّی مهمة الإمامة فی صغر السن وقبل إکمال عقده الأوّل من العمر. فکانت الإمامة المبکّرة وتوجّس السلطة من قیادة خط المعارضة الذی دام قرنین وثلاثة عقود من الزمن فی عهده(علیه السلام)، وترقّب ظهور المهدی من آل محمد (صلى الله علیه وآله) من ولده هی ثلاث ممیزات تمیّزت بها فترة إمامته، ومن هنا شدّدت الرقابة إلى أقصى حدّ ممکن حتى انتهت الى التصفیة الجسدیة بعد أن سیطر الخوف والرعب على طغاة عصره.
ومن هنا فإن کثرة أصحاب الإمام ـ والذین أحصاهم أحد المهتمّین بتأریخ هذا الإمام العظیم(1) حیث ترجم لــ (346) شخصاً کانوا قد ارتبطوا بالإمام ورووا عنه ـ وهو فی تلک الظروف العصیبة، لها دلالة کبیرة وواضحة على سعة نشاط الإمام الهادی(علیه السلام) فی تلک الظروف الصعبة، وعظمة هذا
الإمام الذی استوعب بنشاطه السریّ والمنظّم کل تلک العقبات واجتازها بما یحقق له أهدافه من التمهید فکریاً وعقائدیاً ونفسیّاً لعصر الغیبة المرتقب محافظاً على خط المعارضة بشکل تام، مراقباً للأحداث بشکل مستمر ومقدّماً لکل ظرف مستجد ما یتطلّبه من الخطوات والأنشطة، مراعیاً التقدم الحضاری الذی کانت الاُمة الإسلامیة على مشارفه وهو یرید أن تکون الجماعة الصالحة فی موقع القیادة والقمّة منه دائماً، وهکذا کان. ومن هذه الزاویة ینبغی أن نطالع ما وصلنا من تراثه ومعالم مدرسته.
وینقسم الحدیث فی هذا الفصل الى حقلین:
الأوّل مدرسة الإمام الهادی المتمثلة فی أصحابه ورواة حدیثه.
والثانی تراثه الفکری والعلمی المدوّن أو المروی عنه.
1) راجع الإمام الهادی من المهد إلى اللحد، السید محمد کاظم القزوینی.