لقد تمادى المتوکل فی ایذاء العلویین ومنعهم حقوقهم التی منحهم الله إیّاها حتى أشرفوا على الهلاک من شدّة الفقر بل تمادى فی الجور علیهم حتى قدّم دعوى غیر العلوی على دعوى العلوی إذا تحاکما عند القضاة.
ولم نجد من العباسیین عامة إلاّ العداء والبغض لأهل البیت(علیهم السلام) لأسباب شتى، منها: تفرّد أهل البیت(علیهم السلام) بالنصّ علیهم من قبل جدّهم الرسول(صلى الله علیه وآله) وتفرّدهم بالزعامة الروحیة والعلمیة، وتأثیرهم على قلوب المسلمین ووجدانهم، والاهتمام بشؤونهم، وایثارهم للدین على الدنیا، والموت فی سبیل الله على الحیاة مع الذل والهوان فی غیر طاعة الله.
إن عواطف المسلمین وقلوبهم قد اتّجهت نحو أبناء الرسول(علیهم السلام)
وشیعتهم الذین یحذون حذوهم، وأخذت هذه الظاهرة تنمو و تظهر على الساحة الإسلامیة وهذا مما لا یرتاح له الحکّام العباسیون وعملاؤهم الذین جلسوا على موائدهم التی جسّدت أفضع انواع التبذیر فی بیت مال المسلمین. وأهل البیت(علیهم السلام) بعد ثورة الحسین(علیه السلام) وإن لم یتصدّوا للثورة المسلحة ضد الطغاة لأسباب تعود الى سیاستهم المبدئیة لمعالجة أنواع الانحراف فی المجتمع الإسلامی، لکنّهم قد فتحوا الطریق أمام الثوّار العلویین للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بالسیف والسلاح حین لا یثمر الکلام والحجاج.
ومن هنا لم تخل الساحة الإسلامیة من الثورات التی قام بها قادة علویون على طول الخط بعد ثورة الحسین(علیه السلام).
وقد استمرت هذه الثورات حتى عصر الغیبة وانتهت فیما بعد الى تأسیس دویلات وإمارات یحکمها قادة علویون أو علماء یحملون ثقافة أهل البیت(علیهم السلام) ویحاولون تجسید قیمهم وسیرتهم فی الحیاة الإسلامیة.
ولم تکن اغتیالات الخلفاء للأئمة من أهل البیت(علیهم السلام) إلاّ باعتبار دعمهم لهذه الثورات المسلّحة وتأییدهم لها من قریب أو من بعید.
وهذا الخط الثوری فی هذه الظروف الحرجة یعد أحد الأسباب التی حتّمت على الإمام الثانی ـ عشر باعتباره آخر القادة المعصومین ـ أن یتستّر بستار الغیبة لئلاّ تخلو الأرض من حجج الله وبیّناته.
وقد خرج على حکّام هذا العصر من العلویین مجموعة تمثّل استمرار الخط الثوری ضد الظلم والظالمین وإلیک قائمة بأسمائهم مع ذکر تاریخ ومنطقة تحرّکهم وخروجهم:
1 ـ محمد بن القاسم بن علی بن عمر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام)، خرج فی حکومة المعتصم واعتقل فی سنة (219 هـ) وروی
أنه قتل بالسمّ.
2 ـ محمد بن صالح بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن حسن بن حسن ابن علی بن أبی طالب(علیهم السلام) خرج على المتوکل فی المدینة واُسر وسجن فی سامراء.
3 ـ یحیى بن عمر بن یحیى بن حسین بن زید بن علی بن حسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام). خرج على المستعین فی الکوفة سنة (250 هـ)، ارتضاه أهل بغداد ولیّاً للأمر کما بایعه جملة من أهل الحل والعقد فی الکوفة. وضجّ الناس لقتله وحزنوا علیه حزناً لم یر مثله.
4 ـ الحسن بن زید بن محمد بن اسماعیل بن حسن بن زید بن حسن ابن حسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام)، خرج فی طبرستان سنة (250 هـ) واستولى على الری وآمل وامتد نفوذه الى جرجان فی سنة (257 هـ) واستمر فی الحکم حتى سنة (270 هـ) ثم خلفه أخوه محمّد بن زید وکان فقیهاً أدیباً وجواداً.
5 ـ محمد بن جعفر بن حسن، خرج فی الری سنة (250 هـ) ودعا أهل الری الى حکم الحسن بن زید الذی کان قد سیطر على طبرستان.
6 ـ الحسن بن اسماعیل بن محمد بن عبدالله بن علی بن حسین بن علی ابن أبی طالب(علیهم السلام) ثار فی قزوین سنة (250 هـ).
7 ـ الحسین بن محمد بن حمزة بن عبدالله بن حسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام) ثار فی الکوفة سنة (251 هـ).
8 ـ اسماعیل بن یونس بن إبراهیم بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام) ثار فی مکة سنة (251 هـ).
9 ـ أحمد بن محمد بن عبدالله بن إبراهیم بن طباطبا ثار فی سنة (255هـ) بین برقة والاسکندریة.
10 و 11 ـ عیسى بن جعفر العلوی، ثار مع علی بن زید فی الکوفة
سنة (255 هـ).
12 ـ علی بن زید بن حسین بن عیسى بن زید بن علی بن حسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام) ثار فی الکوفة سنة (256 هـ) للمرة الثانیة.
13 ـ إبراهیم بن محمد بن یحیى بن عبدالله بن محمد بن علی بن أبی طالب(علیهم السلام) المعروف بابن الصوفی ثار فی مصر سنة (256 هـ)(1)
هذه صورة موجزة عن الحرکات المناهضة للحکّام الذین تربّعوا على کرسیّ الخلافة وحکموا باسم الرسول (صلى الله علیه وآله) وهم بعیدون کل البعد عن هدیه وسننه.
وفی مثل هذه الظروف السیاسیة العامة والفتن الدینیة التی أجّجها الخلفاء وسقتها الثقافات المستوردة، ماذا کانت تتطلبه الساحة الإسلامیة العامة من معالجات؟ وماذا کانت تتطلبه الساحة الخاصة باتباع أهل البیت(علیهم السلام) الذین أخذوا یقتربون من عصر الغیبة الذی أخبر عنه الرسول(صلى الله علیه وآله) والأئمة من أهل البیت(علیهم السلام) وبدأت تتکشف علائمه وتتهیّأ أسبابه ؟
هذا ما سوف ندرسه خلال الفصول التالیة إن شاء الله تعالى.
1) راجع مقاتل الطالبیین: 478 ـ 536 ومروج الذهب: 4 / 50 ـ 180، والکامل فی التاریخ، الجزء السابع.