تدرّجت سیاسة الحکّام العباسیین فی مناهضة أهل البیت(علیهم السلام) بعد أن عرفوا موقعهم الدینی والاجتماعی المتمیّز وأنهم لا یداهنون من أجل الحکم والملک بل إنهم أصحاب مبدأ وعقیدة وقیم، فکانت سیاسة السفّاح والمنصور والرشید تتلخص فی الرقابة المشدّدة والتضییق مع فسح المجال للتحرک المحدود ورافقها خلق البدائل العلمیة لئلا ینفرد أهل البیت(علیهم السلام) بالمرجعیة العلمیة والدینیة فی الساحة الاجتماعیة فکان الدعم المباشر من الحکّام لأئمة المذاهب وتبنّی بعضها والدعوة إلیها فی هذا الطریق.
ولکن کل هذه الأسالیب لم تفلح فی التعتیم الاعلامی وتوجیه الأنظار عن أهل البیت(علیهم السلام) الى غیرهم فکانت سیاسة المأمون هی سیاسة الاحتواء التی نفّذها مع الإمام الرضا(علیه السلام).
غیر أن المأمون حین أدرک عدم امکان احتواء الإمام(علیه السلام) قضى علیه، لکنه بتزویجه لابنته اُم الفضل من الإمام الجواد(علیه السلام) قد أحکم الرقابة على
ولده الإمام الجواد(علیه السلام) بشکل ذکی جداً، ولم یسمح المعتصم للإمام الجواد(علیه السلام) ـ وهو فی ریعان شبابه ـ لیبقى فی مدینة جدّه بل استدعاه وقضى علیه بالسم لأنه قد أدرک أیضاً عدم امکان احتوائه بل عدم امکان احکام الرقابة علیه من داخل بیته وخارجه.
وهنا جاء دور المتوکل ومن تبعه لسجن الإمام والتضییق علیه بأنحاء شتّى، فتمّ استدعاء الإمام الهادی(علیه السلام) وعُرِّض لأنواع الاحتقار والتسقیط والتضییق ـ کما لاحظنا ـ واُحکمت الرقابة على کل تصرفاته داخل البیت وخارجه، بنحو قد تجنّبوا فیه إثارة الرأی العام حیث تظاهروا بإکرام الإمام واحترامه واعزازه (علیه السلام)، بینما وصلت الرقابة الى أبعد حدّ. وکانت قضیة الإمام المهدی المنتظر(علیه السلام) من الأسباب المهمة التی دعت السلطة لإحکام الرقابة علیه لئلاّ یولد الإمام المهدی(علیه السلام) إن أمکن أو للاطلاع على وجوده إن کان قد وُلد، ومن ثم القضاء علیه.
وقد بقی الإمام الهادی(علیه السلام) تحت رقابة الحکّام العباسیین مدة طویلة تزید على العشرین عاماً(1)، وهی فترة طویلة جداً إذا ما قسناها مع فترة ولایة العهد للإمام الرضا(علیه السلام) أو فترة بقاء الإمام الجواد(علیه السلام) فی بغداد فی زمن المعتصم.
وفی هذا مؤشر واضح لتغییر العباسیین سیاستهم العامة تجاه أئمة أهل البیت(علیهم السلام).
1) وقد عرفت أن بعض المصادر صرّحت بأن مدة إقامته(علیه السلام) فی سامراء عشر سنوات وأشهر.