جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الإمام الهادی والمعتصم العباسی

زمان مطالعه: 2 دقیقه

بعد اغتیال الإمام الجواد (علیه السلام) من قبل المعتصم عهد المعتصم إلى عمر بن الفرج أن یشخص بنفسه إلى المدینة لیختار معلماً لأبی الحسن الهادی(علیه السلام) البالغ من العمر آنذاک ست سنین وأشهراً، وقد عهد إلیه ان یکون المعلم معروفاً بالنصب والانحراف عن أهل البیت (علیهم السلام) لیغذیه ببغضهم.

ولما انتهى عمر إلى یثرب التقى بالوالی وعرّفه بمهمته فأرشده الوالی وغیره إلى الجنیدی الذی کان شدید البغض للعلویین، فأرسل خلفه وعرّفه بالأمر فاستجاب له بعد أن عیّن له راتباً شهریاً، وعهد إلیه أن یمنع الشیعة من زیارته والاتصال به.

بادر الجنیدی الى ما کان اُمر به من مهمّة تعلیم الإمام(علیه السلام) إلاّ انه قد ذهل لما کان یراه من حدَّة ذکائه، والتقى محمد بن جعفر بالجنیدی فقال له:«ما حال هذا الصبی الذی تؤدبه ؟» فأنکر الجنیدی ذلک وراح یقول:

«أتقول: هذا الصبی ؟!! ولا تقول هذا الشیخ؟ انشدک بالله هل تعرف بالمدینة من هو أعرف منی بالأدب والعلم ؟».

قال: لا.

فقال الجنیدی: «إنی والله لأذکر الحرف فی الأدب، وأظن أنی قد بالغت، ثم إنّه یملی أبواباً استفیده منه، فیظن الناس انی اُعلمه، وأنا والله أتعلّم منه».

وانطوت الأیام فالتقى محمد بن جعفر مرة أخرى بالجنیدی، فقال له: ما حال هذا الصبی ؟

فأنکر علیه الجنیدی ذلک وقال: «دع عنک هذا القول، والله تعالى لهو خیر أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى، وإنه لربما همَّ بدخول الحجرة فأقول له: حتى تقرأ سورة، فیقول: أیّ سورة ترید أن أقرأها ؟ فاذکر له السور الطوال ما لم یبلغ إلیها فیسرع بقراءتها بما لم أسمع أصح منها، وکان یقرأها بصوت أطیب من مزامیر داود، انّه حافظ القرآن من أوله إلى آخره، ویعلم تأویله وتنزیله.

وأضاف الجنیدی قائلاً: هذا الصبی صغیر نشأ بالمدینة بین الجدران السود فمن أین عَلِم هذا العلم الکبیر؟ یا سبحان الله !!

ثم نزع عن نفسه النصب لأهل البیت (علیهم السلام) ودان بالولاء لهم واعتقد بالامامة»(1)

لقد کان لأدب الإمام الهادی (علیه السلام) وحسن تعامله مع معلمه «الناصبی» أثر کبیر فی تحوله الاعتقادی وایمانه بزعامة أهل البیت (علیهم السلام).

ثمّ إنّ الجنیدی نفسه صرّح لغیره أنه تعلم من الإمام(علیه السلام) ولم یأخذ الإمام(علیه السلام) العلم منه، وتلک خاصة للإمام وآبائه (علیهم السلام)، فإنّ الإمام الرضا(علیه السلام) لما سُئل عن الخلف بعده أشار إلى الإمام الجواد(علیه السلام) وهو صغیر ربّما فی عمر کعمر الإمام الهادی(علیه السلام)، واحتج الرضا (علیه السلام) بقوله تعالى: (وآتیناه الحکم صبیاً)فالصغر والکبر لیس مورداً للإشکال فإن الله سبحانه جعل الامامة امتداداً للنبوة لتقتدی الناس بحملة الرسالة فهم القیّمون علیها والمجسّدون لها تجسیداً کاملاً لیتیسّر للناس تطبیق أحکام الله تعالى بالاقتداء بالائمة(علیهم السلام).

وتعکس لنا هذه الروایة الاهتمام المبکر من قبل المعتصم بالامام الهادی(علیه السلام) من أجل تطویق تحرکه وعزله عن شیعته ومریدیه کما یتّضح ذلک من أمره بأن یمنع اتصال الشیعة به. یُضاف الى ذلک أن المبادرة لتعلیم الإمام فی سنّ مبکّرة لا یبعد أن یکون للتعتیم على علم الإمام وهو فی هذا العمر کما حدث لأبیه الجواد(علیه السلام) حین تحدّى کبار العلماء ولم یعهد منه أنه کان قد تعلّم عند أحد.

فهذا الإسراع یعدّ محاولة للحیلولة دون بزوغ اسم الإمام الهادی(علیه السلام) وسطوع فضله عند الخاص والعام، لأنّ ما سوف یصدر منه یمکن أن یُنسب الى معلّمه ومربّیه.

غیر أن الإمام(علیه السلام) بخلقه وهدوئه استطاع أنّ یفوّت الفرصة على الخلیفة وبلاطه ویُظهر للناس علمه وإمامته التی عیّنها الله له.


1) مآثر الکبراء فی تاریخ سامراء: 3 / 91 ـ 95.