إنّ دور الأئمّة الاثنی عشر الذین نصّ علیهم وعلى إمامتهم الرسول (صلى الله علیه وآله) واستخلفهم لصیانة الإسلام من أیدی العابثین الذین کانوا یتربّصون به الدوائر، وحمّلهم مسؤولیة تطبیقه وتربیة الإنسانیة على أساسه وصیانة دولة الرسول الخاتم من الانهیار والتردّی یتلخّص فی أمرین مهمّین وخطّین أساسیین:
1 ـ خط تحصین الاُمّة ضد الانهیار بعد سقوط التجربة، واعطائها من المقوّمات القدر الکافی لکی تبقى واقفة على قدمیها بقدم راسخة وبروح مجاهدة وبإیمان ثابت.
2 ـ خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وارجاع القیادة إلى موضعها الطبیعی لتکتمل عناصر التربیة الثلاثة ـ أعنی الاُمة والشریعة والمربّی الکفوء ـ ولتتلاحم الاُمّة والمجتمع مع الدولة وقیادتها الرشیدة(1)
أما الخط الثانی فکان على الأئمّة الراشدین أن یقوموا بإعداد طویل المدى له، من أجل تهیئة الظروف الموضوعیة اللازمة التی تتناسب وتتفق مع
مجموعة القیم والأهداف والأحکام الأساسیة التی جاءت بها الرسالة الإسلامیة وأرید تحقیقها من خلال الحکم وممارسة الزعامة باسم الإسلام القیّم وباسم الله المشرّع للإنسان کل ما یوصله إلى کماله اللائق.
ومن هنا کان رأی الأئمّة المعصومین من أهل بیت الرسول (صلى الله علیه وآله) فی استلام زمام الحکم أن الانتصار المسلّح الآنیّ غیر کاف لإقامة دعائم الحکم الإسلامی المستقر بل یتوقف ذلک على إعداد جیش عقائدی یؤمن بالإمام وبعصمته ایماناً مطلقاً بحیث یعیش أهدافه الکبیرة ویدعم تخطیطه فی مجال الحکم ویحرس کل ما یحققه للاُمّة من مصالح وأهداف ربّانیة.
وأما الخط الأوّل فهو الخط الذی لا یتنافى مع کل الظروف القاهرة، وکان یمارسه الأئمّة الأطهار(علیهم السلام) حتى فی حالة الشعور بعدم توفر الظروف الموضوعیة التی تهیء الإمام (علیه السلام) لخوض معرکة یتسلّم من خلالها زمام الحکم من جدید.
إن هذا الدور وهذا الخط هو خط تعمیق الرسالة فکریاً وروحیّاً وسیاسیاً فی ضمیر الاُمة بغیة إیجاد تحصین کاف فی صفوفها لیؤثّر فی تحقیق مناعتها وعدم انهیارها بعد تردّی التجربة وسقوطها، وذلک بایجاد قواعد واعیة فی الاُمّة وایجاد روح رسالیة فیها وایجاد عواطف صادقة تجاه هذه الرسالة فی صفوف الاُمّة(2)
واستلزم عمل الأئمّة الطاهرین (علیهم السلام) فی هذین الخطین قیامهم بدور رسالی ایجابی وفعّال على مدى قرون ثلاثة تقریباً فی مجال حفظ الرسالة والاُمّة والدولة وحمایتها باستمرار.
وکلما کان الانحراف یشتد; کان الائمّة الأبرار یتخذون التدابیر اللازمة
ضد ذلک، وکلما وقعت محنة للعقیدة أو التجربة الإسلامیة وعجزت الزعامات المنحرفة من علاجها ـ بحکم عدم کفاءتها ـ بادر الأئمّة المعصومون إلى تقدیم الحلّ ووقایة الاُمة من الأخطار التی کانت تهددّها.
فالأئمّة من أهل البیت (علیهم السلام) کانوا یحافظون على المقیاس العقائدی فی المجتمع الإسلامی بشکل مستمر إلى درجة لا تنتهی بالاُمّة إلى الخطر الماحق لها(3)
1) أهل البیت(علیهم السلام) تنوع أدوار ووحدة هدف: 59.
2) أهل البیت(علیهم السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف: 131 ـ 132 و147 ـ 148.
3) أهل البیت (علیهم السلام) تنوع أدوار ووحدة هدف: 144.