لم یکن الإسلام نظریة بشریة لکی تتحدَّد فکریاً من خلال ممارسة تجارب الخطأ والصواب فی التطبیق، وإنما هو رسالة الله التی حُدّدت فیها الأحکام والمفاهیم وزوّدت ربّانیاً بکلّ التشریعات العامّة، فلا بدّ لزعامة هذه
التجربة من استیعاب الرسالة بحدودها وتفاصیلها ووعی کامل لأحکامها ومفاهیمها، وإلاّ کانت مضطرة إلى استلهام مسبقاتها الذهنیة ومرتکزاتها القَبْلیة وذلک یؤدّی إلى نکسة فی مسیرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أن الإسلام کان هو الرسالة الخاتمة لرسالات السماء التی تمتد مع الزمن وتتعدى کل الحدود الاقلیمیة والقومیة، الأمر الذی لا یسمح بأن تمارس زعامته تجارب الخطأ والصواب التی تتراکم فیها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتى تشکل ثغرة تهدد التجربة بالسقوط والانهیار(1)
وقد برهنت الأحداث التی جرت على آل الرسول (علیهم السلام) بعد وفاته (صلى الله علیه وآله) استئثاراً بالخلافة دونهم على هذه الحقیقة المرّة وتجلّت آثارها السلبیّة بوضوح بعد نصف قرن أو أقلّ من ممارسة الحکم من قبل جیل المهاجرین الذین لم یُرشّحوا من قبل الرسول (صلى الله علیه وآله) للإمامة ولم یکونوا مؤهلین للقیمومة على الرسالة.
فلم یمض ربع قرن حتى بدأت الخلافة الراشدة تنهار تحت وقع الضربات الشدیدة التی وجّهها أعداء الإسلام القدامى; إذ استطاعوا أن یتسلّلوا إلى مراکز النفوذ فی قیادة التجربة بالتدریج حتّى صادروا بکل وقاحة وعنف تلک القیادة وأجبروا الاُمّة وجیلها الطلیعی الرائد على التنازل عن شخصیّته وقیادته وتحوّلت الزعامة إلى ملک موروث یستهتر بالکرامات ویقتل الأبریاء ویبعثر الأموال ویعطّل الحدود ویجمّد الأحکام ویتلاعب بمقدّرات الناس وأصبح الفیء والسواد بستاناً لقریش، والخلافة کرة یتلاعب بها صبیان بنی اُمیة(2)
1) بحث حول الولایة: 57 ـ 58.
2) بحث حول الولایة: 60 ـ 61.