جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

تفسیر صحة الخلقة

زمان مطالعه: 6 دقیقه

اما قول الصادق علیه‏السلام: فان معناه کمال الخلق للانسان و کمال الحواس و ثبات العقل و التمییز و اطلاق اللسان بالنطق، و ذلک قول

الله: «و لقد کرمنا بنى آدم و حملناهم فى البر و البحر و رزقناهم من الطیبات و فضلناهم على کثیر ممن خلقنا تفضیلا» (سورة الاسراء آیة 72). فقد أخبر عزوجل عن تفضیله بنى آدم على سائر خلقه من البهائم و السباع و دواب البحر و الطیر و کل ذى حرکة تدرکه حواس بنى آدم بتمییز العقل و النطق، و ذلک قوله: «لقد خلقنا الانسان فى أحسن تقویم» (سورة التین آیة 4). و قوله: «یا أیها الانسان ما غرک بربک الکریم – الذى خلقک فسواک فعدلک – فى اى صورة ماشاء رکبک» (سورة الانفطار آیات 8، 7، 6). و فى آیات کثیرة، فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله و تفضیله على کثیر من خلقه بکمال العقل و تمییز البیان، و ذلک ان کل ذى حرکة على بسیط الارض هو قائم بنفسه بحواسه مستکمل فى ذاته، ففضل بنى‏آدم بالنطق الذى لیس فى غیره من الخلق المدرک بالحواس، فمن اجل النطق ملک الله ابن‏آدم غیره من الخلق حتى صار آمرا ناهیا و غیره مسخر له کما قال الله: «کذلک سخرها لکم لتکبروا الله على ماهداکم» )

سورة الحج آیة 38). و قال: «و هو الذى سخر البحر لتأکلوا منه لحما طریا و تستخرجوا منه حلیة تلبسونها» (سورة النحل آیة 14). و قال: «و الانعام خلقها لکم فیها دف‏ء و منافع و منها تأکلون. و لکم فیها جمال حین تریحون و حین تسرحون. و تحمل اثقالکم الى بلد لم تکونوا بالغیه الا بشق الانفس» (سورة النحل آیة 8. و الدف‏ء: السخانة و هى ما یستدفأ به من اللباس المعمول من الصوف و الوبر.). فمن اجل ذلک دعا الله الانسان الى اتباع امره والى طاعته بتفضیله ایاه باستواء الخلق و کمال النطق و المعرفة بعد ان ملکهم استطاعة ما کان تعبدهم به بقوله: «فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و اطیعوا» (سورة التغابن آیة 16). و قوله: «لا یکلف الله نفسا الا وسعها» (سورة البقرة). و قوله: «لا یکلف الله نفسا الا ما آتیها» (سورة الطلاق آیة 7). و فى آیات کثیرة. فاذا سلب من العمل حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته کقوله: «لیس على الاعمى حرج و لا على الاعرج حرج» (سورة النور آیة 60). فقد رفع عن کل من کان بهذه الصفة الجهاد و جمیع الاعمال التى لایقوم بها، و کذلک اوجب على ذى الیسار الحج و الزکاة لما ملکه من استطاعة ذلک و لم یوجب على الفقیر الزکاة

و الحج، قوله: «ولله على الناس حج البیت من استطاع الیه سبیلا» (سورة آل عمران آیة 91). و قوله فى الظهار: «و الذین یظاهرون من نسائهم ثم یعودون لما قالوا فتحریر رقبة – الى قوله: فمن لم یستطع فاطعام ستین مسکینا» (سورة المجادلة آیة 5، 4).

کل ذلک دلیل على ان الله تبارک و تعالى لم یکلف عباده الا ما ملکهم استطاعته بقوة العمل به و نهاهم عن مثل ذلک فهذه صحة الخلقة.

و اما قوله: تخلیة السرب. فهو الذى لیس علیه رقیب یحظر علیه و یمنعه العمل بما أمره الله به و ذلک قوله فیمن استضعف و حظر علیه العمل فلم یجد حیلة و لا یهتدى سبیلا کما قال الله تعالى: الا المستضعفین من الرجال و النساء و الولدان لا یستطیعون حیلة و لا یهتدون سبیلا» (سورة النساء آیة 100).

. فأخبر ان المستضعف لم یخل سربه و لیس علیه من القول شى‏ء اذا کان مطمئن القلب بالایمان.

و اما المهلة فى الوقت فهو العمر الذى یمتع الانسان من حد ما تجب علیه المعرفة الى اجل الوقت، و ذلک من وقت تمییزه و بلوغ الحلم الى ان یأتیه اجله. فمن مات على طلب الحق و لم یدرک کماله فهو على خیر، و ذلک قوله: «

و من یخرج من بیته مهاجرا الى الله و رسوله – الآیة -» (سورة النساء آیة 100). و ان کان لم یعمل بکمال شرایعه لعلة ما لم یمهله فى الوقت الى استتمام امره. و قد حظر على البالغ ما لم یحظر على الطفل اذا لم یبلغ الحلم فى قوله: «و قل للمؤمنات یغضضن من ابصارهن – الآیة -»(سورة النور آیة 31). فلم یجعل علیهن حرجا فى ابداء الزینة للطفل و کذلک لا تجرى علیه الاحکام.

و اما قوله: الزاد. فمعناه الجدة و البلغة التى یستعین بها العبد على ما امره الله به. و ذلک قوله: «ما على المحسنین من سبیل – الایة -» (سورة التوبة آیة 91). ألا ترى انه قبل عذر من لم یجد ما ینفق و الزم الحجة کل من امکنته البلغة و الراحلة للحج و الجهاد و أشباه ذلک. و کذلک قبل عذر الفقراء و اوجب لهم حقا فى مال الاغنیاء بقوله: «للفقراء الذین احصروا فى سبیل الله – الایة -» (سورة البقرة آیة 273). فأمر باعفائهم و لم یکلفهم الاعداء لما لا یستطیعون و لا یملکون.

و اما قوله: فى السبب المهیج. فهو النیة التى هى داعیة الانسان

الى جمیع الافعال و حاستها القلب فمن فعل و کان بدین لم یعقد قلبه على ذلک لم یقبل الله منه عملا الا بصدق النیة و لذلک اخبر عن المنافقین بقوله: «

یقولون بأفواههم ما لیس فى قلوبهم و الله اعلم بما یکتمون» (سورة آل عمران آیة 166). ثم انزل على نبیه صلى الله علیه و آله و سلم توبیخا للمؤمنین. «

یا أیها الذین آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون – الآیة -» (سورة الصف آیة 2).

فاذا قال الرجل قولا و اعتقد فى قوله دعته النیة الى تصدیق القول باظهار الفعل. و اذا لم یعتقد القول لم تتبین حقیقته. و قد اجاز الله صدق النیة و ان کان الفعل غیر موافق لها لعلة مانع یمنع اظهار الفعل فى قوله: «الا من أکره و قلبه مطمئن بالأیمان» (سورة النحل آیة 106). و قوله: «لایؤاخذکم الله باللغو فى أیمانکم» (سورة البقرة آیة 225). فدل القرآن و اخبار الرسول صلى الله علیه و آله و سلم ان القلب مالک لجمیع الحواس یصحح افعالها و لا یبطل ما یصحح القلب شى‏ء.

فهذا شرح جمیع الخمسة الامثال التى ذکرها الصادق علیه‏السلام انها تجمع المنزلة بین المنزلتین و هما الجبر و التفویض. فاذا اجتمع فى الانسان کمال هذه الخمسة الامثال وجب علیه العمل کما لما امر الله عزوجل به و رسوله، و اذا نقص العبد منها خلة کان العمل عنها مطروحا بحسب ذلک.

فاما شواهد القرآن على الاختبار و البلوى بالاستطاعة التى تجمع القول بین القولین فکثیرة. و من ذلک قوله: «و لنبلونکم حتى نعلم المجاهدین منکم و الصابرین و نبلو اخبارکم» (سورة محمد – اى لنعاملکم معاملة المختبر). و قال: «سنستدرجهم من حیث لا یعلمون» (سورة الاعراف آیة 181). و قال: «الم –

أحسب الناس ان یترکوا أن یقولوا آمنا و هم لا یفتنون» (سورة العنکبوت آیة 1)

و قال فى الفتن التى معناها الاختبار «و لقد فتنا سلیمان – الآیة -» (سورة ص آیة 33). و قال فى قصة موسى علیه‏السلام: «فانا قد فتنا قومک من بعدک و اضلهم السامرى» (سورة طه آیة 87). و قول موسى: «ان هى الا فتنتک» (سورة الاعراف آیة 154). اى اختبارک فهذه الایات یقاس بعضها ببعض و یشهد بعضها لبعض.

و اما آیات البلوى بمعنى الأختبار قوله: «لیبلوکم فیما آتاکم»

(سورة المائدة آیة 48). و قوله: «ثم صرفکم عنهم لیبتلیکم» (سورة آل عمران آیة 152). و قوله: «انا بلوناهم کما بلونا اصحاب الجنة» (سورة القلم آیة 17). و قوله: «خلق الموت و الحیوة لیبلوکم أیکم احسن عملا» (سورة الملک آیة 2). و قوله: «و اذ ابتلى ابراهیم ربه بکلمات» (سورة البقرة آیة 123). و قوله: «ولو یشاء الله لا نتصر منهم ولکن لیبلو بعضکم ببعض» (سورة محمد آیة 5). و کلما فى القرآن من بلوى هذه الایات التى شرح اولها فهى اختبار و امثالها فى القرآن کثیرة. فهى اثبات الاختبار و البلوى: ان الله جل و عز لم یخلق الخلق عبثا و لا اهملهم سدى و لا اظهر حکمته لعبا و بذلک اخبر فى قوله: «أفحسبتم انما خلقناکم عبثا» (سورة المؤمنون آیة 110). فان قال قائل: فلم یعلم الله ما یکون من العباد حتى اختبرهم؟ قلنا: بلى، قد علم ما یکون منهم قبل کونه و ذلک قوله: «ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه» (سورة الانعام آیة 28). و انما اختبرهم لیعلمهم عدله و لا یعذبهم الا بحجة بعد الفعل. و قد اخبر بقوله: «ولو انا اهلکناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الینا رسولا» (سورة طه آیة 134). و قوله: «و ما کنا معذبین حتى نبعث رسولا»

(سورة الاسراء آیة 16). و قوله: «رسلا مبشرین و منذرین» (سورة النساء آیة 163). فالاختبار من الله بالاستطاعة التى ملکها عبده و هو القول بین الجبر و التفویض. و بهذا نطق القرآن و جرت الاخبار عن الائمة من آل الرسول صلى الله علیه و آله و سلم.

فان قالوا: ما الحجة فى قول الله: «یهدى من یشاء و یضل من یشاء ما أشبهها؟ قیل: مجاز هذه الآیات کلها على معنیین: اما احدهما فاخبار عن قدرته اى انه قادر على هدایة من یشاء و ضلال من یشاء و اذا اخبرهم بقدرته على احدهما لم یجب لهم ثواب و لا علیهم عقاب على نحو ما شرحنا فى الکتاب. و المعنى الاخر ان الهدایة منه تعریفه کقوله: «و اما ثمود فهدیناهم» اى عرفناهم «

فاستحبوا العمى على الهدى» فلو أجبرهم على الهدى لم یقدروا ان یضلوا و لیس کلما وردت آیة مشتبهة کانت الآیة حجة على محکم الآیات اللواتى امرنا بالاخذ بها، من ذلک قوله: «منه آیات محکمات هن أم الکتاب

و أخر متشابهات فأما الذین فى قلوبهم زیغ فیتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأویله و ما یعلم – الآیة -» و قال: «فبشر عبادى الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه» اى أحکمه و اشرحه «اولئک الذین هداهم الله و اولئک هم اولوا الالباب».

وفقنا الله و ایاکم الى القول و العمل لما یحب و یرضى و جنبنا و ایاکم معاصیه بمنه و فضله و الحمدلله کثیرا کما هو اهله و صلى الله على محمد و آله الطیبین و حسبنا الله و نعم الوکیل.