اخر جث جنازة الامام الهادى علیهالسلام بعد أن جهزه الامام العسکرى من الغسل و الکفن و الصلاة علیه داخل الدار، و شیع جثمانه الطاهر و قد حضره جمع کثیر من الطالبیین و العباسیین و خلق من الشیعة و ضغط الحسن علیهالسلام من شدة الزحام.
قال المسعودى: حدثنا جماعة کل واحد منهم یحکى أنه دخل الدار و قد اجتمع فیها جملة بنى هاشم من الطالبین و العباسیین و اجتمع خلق من الشیعة و لم یظهر عندهم أمر أبىمحمد و لا عرف خبرهم الا الثقات الذین نص أبوالحسن عندهم علیه، فحکوا، فحکوا أنهم کانوا فى مصیبة و حیرة فهم فى ذلک اذ خرج من الدار خادم فصاح بخادم آخر: یاریاش خذ هذه الرقعة و امض بها الى دار أمیرالمؤمنین و ادفعها الى فلان و قل له: هذه رقعة الحسن بن على فاستشرف الناس لذلک ثم فتح من صدر الرواق باب و خرج خادم أسود، ثم خرج بعده أبومحمد حاسرا مکشوف الرأس مشقوق الثیاب و علیه مبطنة بیضاء وجهه وجه أبیه لا یخطىء منه شیئا، و کان فى الدار أولاد المتوکل و بعضهم ولاة العهود، فلم یبق أحد الا قام على رجلیه و وثب الیه أبومحمد الموفق فقصده أبومحمد علیهالسلام فعانقه.
ثم قال له: مرحبا بابن العم و جلس بین بابى الرواق و الناس کلهم بین یدیه و کانت الدار کالسوق بالأحادیث، فلما خرج و جلس أمسک الناس، فما کنا نسمع شیئا الا العطسة و السعلة و خرجت جاریة تندب أباالحسن(1) فقال أبومحمد علیهالسلام: ما هاهنا من یکفى مؤنة هذه الجاهلة(2) فبادر الشیعة الیها فدخلت الدار. ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبىمحمد فنهض و اخرجت الجنازه و خرج یمشى حتى
اخرج بها الى الشارع الذى بأزاء دار موسى بقا و کان أبومحمد صلى الله علیه و آله و سلم قبل أن یخرج الى الناس و صلى علیه لما اخرج المعتمد، ثم دفن فى دار من دوره. و اشتد الحر على أبىمحمد و ضغطه الناس فى طریقه و منصرفه من الشارع بعد الصلاة علیه، فصار فى طریقه الى دکان البقال رآه مرشوشا فسلم و استأذنه فى الجلوس فأذن له و جلس و وقف الناس حوله فبینا نحن کذلک اذ أتاه شاب حسن الوجه نظیف الکسوة على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبیض قد نزل عنه، فسأله أن یرکب فرکب حتى أتى الدار و نزل و خرج فى تلک العشیة الى الناس ما کان یحزم عن أبىالحسن حتى لم یفقدوا منه الا الشخص، و تکلمت الشیعة فى شق ثیابه، و قال بعضهم: أرأیتم أحدا من الائمة شق ثوبه فى مثل هذا الحال، فوقع الى من قال ذلک: یا أحمق ما یدریک ما هذا، قد شق موسى على هارون علیهالسلام.(2)
أقول: لقد بسطنا فى الکلام حول شق الامام العسکرى علیهالسلام ثوبه، فى کتابنا حیاة الامام العسکرى(3) فراجع و لا نعید.
1) لم یتحدث لنا المسعودى هنا عن ندبة الجاریة. و لکن ذکر ذلک فى مروج الذهب و قال: و کانت وفاة أبىالحسن… فى یوم الاثنین… و سمع فى جنارته جادیة تقول: ماذا لقینا فى یوم الاثنین قدیما و حدیثا… مروج الذهب، ج 4، ص 169.
2) اثبات الوصیة، ص 235.
3) حیاة الامام العسکرى، ص 73.