جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

رسالة الامام فى القضاء و القدر

زمان مطالعه: 12 دقیقه

قال ابن شعبة الحرانى: و روى عن الامام الراشد الصابر أبى‏الحسن على بن

محمد علیهماالسلام فى طوال هذه المعانى رسالته علیه‏السلام فى الرد على أهل الجبر و التفویض و اثبات العدل و المنزلة بین المنزلتین: من على بن محمد، سلام علیکم و على من اتبع الهدى و رحمة الله و برکاته، فانه ورد على کتابکم و فهمت ما ذکرتم من اختلافکم فى دینکم و خوضکم فى القدر و مقالة من یقول منکم بالجبر و من یقول بالتفویض و تفرقکم فى ذلک و تقاطعکم و ما ظهر من العداوة بنیکم، ثم سألتمونى عنه و بیانه لکم و فهمت ذلک کله. اعلموا رحمکم الله انا نظرنا فى الآثار و کثرة ما جات به الأخبار فوجدناها عند جمیع من ینتحل الاسلام ممن یعقل عن الله جل و عز لا تخلو من معنیین: اما حق فیتبع و اما باطل فیجتنب. و قد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بینهم أن القرآن حق لا ریب فیه عند جمیع أهل الفرق، و فى حال اجتماعهم مقرون بتصدیق الکتاب و تحقیقه مصیبون مهتدون، و ذلک یقول رسول الله صلى الله علیه و آله و سلم: لا تجمع امتى على ضلالة، فأجبر أن جمیع ما اجتمعت علیه الامه کلها حق، هذا اذا لم یخالف بعضها بعضا. و القرآن حق لا اختلاف بینهم فى تنزیله و تصدیقه، فاذا شهد القرآن بتصدیق خبر و تحقیقه و أنکر الخبر طائفة من الامة، لزمهم الاقرار به ضرورة حین اجتمعت فى الأصل على تصدیق الکتاب، فان هى جحدت و أنکرت لزمها الخروج من الملة.

فأول خبر یعرف تحقیقه من الکتاب و تصدیقه و التماس شهادته علیه خبر ورد عن رسول الله صلى الله علیه و آله و وجد بموافقة الکتاب و تصدیقه بحیث لا تخالفه أقاویلهم، حیث قال: انى مخلف فیکم الثقلین کتاب الله و عترتى – أهل بیتى – لن تضلوا ما تمسکتم بهما و انهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض.

فلما وجدنا شواهد هذا الحدیث فى کتاب الله نصا، مثل قوله جل و عز: انما ولیکم الله و رسوله و الذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة و یؤتون الزکاة و هم راکعون و من یتول الله

و رسوله و الذین آمنوا فان حزب الله هم الغالبون.(1) و روت العامة فى ذلک أخبارا لأمیرالمؤمنین علیه‏السلام أنه تصدق بخاتمه و هو راکع فشکر الله ذلک له أنزل الآیة فیه.

فوجدنا رسول الله صلى الله علیه و آله قد أتى بقوله: من کنت مولاه فعلى مولاه و بقوله: انت منى بمنزلة هارون من موسى، الا أنه لا نبى بعدى، و وجدناه یقول: على یقضى دینى و ینجز موعدى و هو خلیفتى علیکم من بعدى.

فالخبر الأول الذى منه هذه الأخبار خبر صحیح مجمع علیه لا اختلاف فیه عندهم، و هو أیضا موافق للکتاب، فلما شهد الکتاب بتصدیق الخبر و هذه الشواهد الاخر لزم على الامة الاقرار بها ضرورة اذ کانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة و وافقت القرآن و القرآن وافقها.

ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله صلى الله علیه و آله عن الصادقین علیهم‏السلام و نقلها قوم ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا على کل مؤمن و مؤمنة، لا یتعداه أهل العناد. و ذلک أن أقاویل آل رسول الله صلى الله علیه و آله متصلة بقول الله و ذلک مثل قوله فى محکم کتابه: ان الذین یؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنیا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهینا»(2) و وجدنا نظیر هذه الآیة، قول رسول الله صلى الله علیه و آله من أذى علیا فقد أذانى و من أذانى فقد أذى الله و من أذى الله یوشک أن ینتقم منه.

و کذلک قوله صلى الله علیه و آله: من أحب علیا فقد أحبنى من أحبنى فقد أحب الله».

و مثل قوله صلى الله علیه و آله فى بنى ولیعة: لا بعثن الیهم رجلا کنفسى یحب الله و رسوله و یحبه الله و رسوله، قم یا على فسر الیهم و قوله صلى الله علیه و آله یوم خیبر لأبعثن الیهم غدا رجلا یحب الله و رسوله و یحبه الله و رسوله کرارا غیر فرار لا یرجع حتى یفتح الله علیه.

فقضى رسول الله صلى الله علیه و آله بالفتح قبل التوجیه فاستشرف لکلامه أصحاب

رسول الله صلى الله علیه و آله فلما کان من الغد دعا علیا علیه‏السلام، فبعثه الیهم فاصطفاه بهذه المنقبة، و سماه کرارا غیر فرار، فسماه محبا لله و لرسوله، فأخبر أن الله و رسوله یحبانه. و انما قدمنا هذا الشرح و البیان دلیلا على ما أردنا و قوة لما نحن مبینوه من أمر الجبر التفویض و المنزلة بین المنزلتین و بالله العون و القوة و علیه نتوکل فى جمیع امورنا فانا نبدأ من ذلک بقول الصادق علیه‏السلام: لا جبر و لا تفویض ولکن منزلة بین المنزلتین، و هى صحة الخلقة و تخلیة السرب و المهلة فى الوقت، و الزاد فى مثل الراحلة و السبب المهیج للفاعل على فعله»

فهذه خمسة أشیاء جمع به الصادق علیه‏السلام جوامع الفضل، فاذا نقض العبد منها خلة کان العمل عنه مطروحا بحسبه.

فأخبر الصادق علیه‏السلام بأصل ما یجب على الناس من طلب معرفته و نطق الکتاب بتصدیقه فشهد بذلک محکمات آیات رسوله لأن الرسول صلى الله علیه و آله، و آله علیهم‏السلام لا یعد و شى‏ء من قوله و أقاویلهم حدود القرآن، فاذا وردت حقائق الأخبار و التمست شواهدها من التنزیل فوجد لها موافقا و علیها دلیلا، کان الاقتداء بها فرضا لا یتعداه الا أهل العناء کما ذکرنا فى أول الکتاب. و لما التمسنا تحقیق ما قاله الصادق علیه‏السلام من المنزلة بین المنزلتین و انکاره الجبر و التفویض، وجدنا الکتاب قد شهد له و صدق مقالته فى هذا، و خبر عنه أیضا موافق لهذا: أن الصادق علیه‏السلام سئل هل أجبر الله العباد على المعاصى؟

فقال الصادق علیه‏السلام: هو أعدل من ذلک.

فقیل له: فهل فوض الیهم؟

فقال: هو أعز و أقهر لهم من ذلک.

و روى عنه أنه قال: الناس فى القدر على ثلاثة أوجه، رجل یزعم أن الأمر مفوض الیه فقد وهن الله فى سلطانه فهو هالک. و رجل یزعم أن الله جل و عز أجبر

العباد على المعاصى و کلفهم ما لا یطیقون، فقد ظلم الله فى حکمه فهو هالک، و رجل یزعم أن الله کلف العباد ما یطیقون و لم یکلفهم ما لا یطیقون، فاذا أحسن حمد الله و اذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ، فأخبر علیه‏السلام أن من تقلد الجبر و التفویض و دان بهما فهو على خلاف الحق. فقد شرحت الجبر الذى من دان به یلزمه الخطأ، و أن الذى یتقلد التفویض یلزمه الباطل، فصارت المنزلة بین المنزلتین بینهما.

ثم قال علیه‏السلام: و أضرب لکل باب من هذه الأبواب مثلا یقرب المعنى للطالب و یسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محکمات آیات الکتاب و تحقق تصدیقه عند ذوى الألباب و بالله التوفیق و العصمة.

فاما الجبر الذى یلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل و عز أجبر العباد على المعاصى و عاقبهم علیها، و من قاله: بهذا القول فقد ظلم الله فى حکمه و کذبه ورد قوله: و لا یظلم ربک أحدا «و قوله ذلک بما قدمت یداک و أن الله لیس بظلام للعبید»(2) مع آى کثیرة فى ذکر هذا. فمن زعم أنه مجبر على المعاصى فقد أحال بذنبه على الله و قد ظلمه فى عقوبته.

و من ظلم الله فقد کذب کتابه و من کذب کتابه فقد لزمه الکفر باجتماع الأمة، و مثل ذلک مثل رجل ملک عبدا مملوکا لا یملک نفسه و لا یملک عرضا من عرض الدنیا و یعلم مولاه ذلک منه فأمر على علم منه بالمصیر الى السوق لحاجة یأتیه بها و لم یملکه ثمن ما یأتیه به من حاجته، و علم المالک أن على الحاجة رقیبا لا یطمع أحد فى أخذها منه الا بما یرضى به من الثمن، و قد وصف مالک هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحکمة و نفى الجور و أوعد عبده ان لم یأته بحاحته أن یعاقبه على علم منه بالرقیب الذى على حاجته أنه سیمنعه، و علم أن المملوک

لا یملک ثمنها و لم یملکه ذلک، فلما صار العبد الى السوق و جاء لیأخذ حاجته التى بعثه المولى لها، وجد علیها مانعا ألا بشراء و لیس یملک العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائبا بغیر قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلک و عاقبه علیه، ألیس یجب فى عدله و حکمه أن لا یعاقبه و هو یعلم أن عبده لا یملک عرضا من عروض الدنیا و لم یملکه ثمن حاجته، فان عاقبه ظالما متعدیا علیه مبطلا لما وصف من عدله و حکمته و نصفته، و ان لم یعاقبه کذب نفسه فى وعیده ایاه حین أوعده بالکذب و الظلم اللذین ینفیان العدل و الحکمة تعالى الله عما یقولون علوا کبیرا، فمن دان بالجبر أو بما یدعو الى الجبر فقد ظلم الله و نسبه الى الجور و العدوان. اذا أوجب على من أجبره العقوبة، و من زعم أن الله یدفع عن أهل المعاصى العذاب، فقد کذب الله فى وعیده حیث یقول: بلى من کسب سیئة و أحاطت به خطیئته فأولئک أصحاب النار هم فیها خالدون».(3)

و قوله: «ان الذین یأکلون أموال الیتامى ظلما انما یأکلون فى بطونهم نارا و سیصلون سعیرا»(4) و قوله: «ان الذین کفروا بآیاتنا سوف نصلیهم نارا کلما نضجت جلودهم بدلنا هم جلودا غیرها لیذوقوا العذاب ان الله کان عزیزا حکیما».(5) مع آى کثیرة فى هذا الفن ممن کذب وعید الله و یلزمه فى تکذیبه آیة من کتاب الله الکفر و هو ممن قال الله: «أفتؤمنون ببعض الکتاب و تکفرون ببعض فما جزاء من یفعل ذلک منکم الا خزى فى الحیوة الدنیا و یوم القیامة یردون الى أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعلمون»(6) بل تقول: ان الله جل و عز جازى العباد على أعمالهم و یعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التى ملکهم ایاها، فأمرهم و نهاهم بذلک و نطق کتابه: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من

جاء بالسیئة فلا یجزى الا مثلها و هم لا یظلمون»(7) و قال جل ذکره: یوم تجد کل نفس ما عملت من خیر محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بینها و بینه أمدا بعیدا و یحذرکم الله نفسه»(8) و قال: الیوم تجزى کل نفس بما کسبت لا ظلم الیوم»(9) فهذه آیات محکمات تنفى الجبر و من دان به و مثلها فى القرآن کثیر، اختصرنا ذلک لئلا یطول الکتاب و بالله التوفیق.

و أما التفویض الذى أبطله الصادق علیه‏السلام و أخطأ من دان به و تقلده فهو قول القائل: ان الله جل ذکره فوض الى العباد اختبار أمره و نهیه و أهملهم. و فى هذا کلام دقیق لمن یذهب الى تحریره و دقته. و الى هذا ذهبت الأئمه المهتدیة من عترة الرسول صلى الله علیه و آله فانهم قالوا: لو فوض الیهم على جهة الاهمال لکان لازما له رضى ما اختاره و استوجبوا منه الثواب و لم یکن علیهم فیما جنوه العقاب اذا کان الاهمال واقعا. تنصرف هذه المقالة على معنیین: اما أن یکون العباد تظاهروا علیه فألزموه قبول اختبارهم بآرائهم ضرورة کره ذلک أم أحب فقد لزمه الوهن، أو یکون جل و عز عجز عن تعبدهم بالأمر و النهى على ارادته کرهوا أو أحبوا، ففوض أمره و نهیه و أجراهما على محبتهم اذا عجز عن تعبدهم بارادته، فجعل الاختبار الیهم فى الکفر و الایمان و مثل ذلک مثل رجل ملک عبدا ابتاعه لیخدمه و یعرف له فضل ولایته و یقف عنده أمره و نهیه و ادعى مالک العبد أنه قاهر عزیز حکیم فأمر عبده و نهاه و وعده على اتباع أمره عظیم الثواب و أوعده على معصیته ألیم العقاب، فخالف العبد ارادة مالکه و لم یقف عند أمره نهیه، فأى أمر أمره أو أى نهى نهاه عنه لم یأته على ارادة المولى بل کان العبد یتبع ارادة نفسه اتباع هواه و لا

یطیق المولى أن یرده الى اتباع أمره و نهیه و الوقوف على ارادته، ففوض اختیاره أمره و نهیه الیه و رضى منه بکل ما فعله على أرادة العبد لا على ارادة المالک و بعثه فى بعض حوائجه و سمى له الحاجة فخالف على مولاه و قصد لارادة نفسه و اتبع هواه، فلما رجع الى مولاه نظر الى ما أتاه به فاذا هو خلاف ما أمره به، فقال له: لم أتیتنى بخلاف ما أمرتک؟ فقال العبد: اتکلت على تفویضک الأمر الى فاتبعت هواى و ارادتى، لأن المفوض الیه غیر محظور علیه، فاستحال التفویض أو لیس یجب على هذا السبب اما ان یکون المالک للعبد قادرا یأمر عبده باتباع أمره و نهیه على ارادته لا على ارادة العبد و یملکه من الطاقة بقدر ما یأمره به و ینهاه عنه، فاذا أمره بأمر و نهاه عن نهى عرفه الثواب و العقاب علیهما. و حذره و رغبه بصفة ثوابه و عقابه لیعرف العبد قدرة مولاه بما ملکه من الطاقه لأمره و نهیه و ترغیبه و ترهیبه، فیکون عدله و انصافه شاملا له و حجته واضحة علیه للاعذار و الانذار، فاذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه و اذا لم یزدجر عن نهیه عاقبه، أو یکون عاجزا غیر قادر، ففوض أمره الیه أحسن أم أساء، أطاع أم عصى، عاجز عن عقوبته و رده الى اتباع أمره. و فى أثبات العجز نفى القدرة و التأله و ابطال الأمر و النهى و الثواب و العقاب و مخالفة الکتاب، اذا یقول: و لا یرضى لعباده الکفر و ان تشکروا یرضه لکم(10) و قوله عزوجل: اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و أنتم مسلمون(11) و قوله: و ما خلقت الجن و الانس الا لیعبدون. ما ارید منهم من رزق و ما ارید أن یطعمون.(12) و قوله: اعبدوا الله و لا تشرکوا به شیئا: اطیعوا الله و أطیعوا الرسول و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون.(13)

فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره و نهیه الى عباده فقد أثبت علیه العجز

و أوجب علیه قبول کل ما عملوا من خیر و شر و أبطل أمر الله و نهیه و وعده و وعیده، لعله ما زعم أن الله فوضها الیه لأن المفوض الیه بمشیئته، فان شاء الکفر و الایمان کان غیر مردود علیه و لا محظور، فمن دان بالتفویض على هذا المعنى فقد أبطل جمیع ما ذکرنا من وعده و وعیده و أمره و نهیه و هو من أهل هذه الآیة: أفتؤمنون ببعض الکتاب و تکفرون ببعض فما جزاء من یفعل ذلک منکم الا خزى فى الحیوة الدنیا و یوم القیامة یردون الى أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعلمون»(6) تعالى الله عما یدین به أهل التفویض علوا کبیرا لکن نقول: ان الله جل و عز خلق الخلق بقدرته و ملکهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم و نهاهم بما أراد، فقبل منهم اتباع أمره و رضى بذلک لهم و نهاهم عن معصیته و ذم من عصاه و عاقبه علیها و لله الخیرة فى الأمر و النهى یختار ما یرید و یأمر به و ینهى عما یکره و یعاقب علیه بالاستطاعة التى ملکها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصیه، لأنه ظاهر العدل و النصفة و الحکمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار و لانذار و الیه الصفوة یصطفى من عباده من یشاء لتبلیغ رسالته و احتجاجه على عباده: اصطفى محمدا صلى الله علیه و آله و بعثه برسالاته الى خلقه، فقال من قال من کفار قومه حسدا و استکبارا: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القریتین عظیم(14) یعنى بذلک امیة بن أبى‏الصلت و أبامسعود الثقفى، فأبطل الله اختیارهم و لم یجز لهم آراءهم حیث یقول: أهم یقسمون رحمت ربک، نحن قسمنا بینهم معیشتهم فى الحیوة الدنیا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات لیتخذ بعضهم بعضا سخریا و رحمت ربک خیر مما یجمعون».(15) و لذلک اختار من الامور ما أحب و نهى عما کره، فمن أطاعه أثابه، و من عصاه عاقبه، و لو فوض اختیار أمره الى عباده لأجاز

لقریش اختیار أمیه بن أبى‏الصلت و أبى‏مسعود الثقفى، اذا کانا عندهم أفضل من محمد صلى الله علیه و آله. فلما أدب المؤمنین بقوله: و ما کان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضى الله و رسوله أمرا أن یکون لهم الخیرة من أمرهم».(16) فلم یجز لهم الاختیار بأهوائهم و لا یقبل منهم الا اتباع أمره و اجتناب نهیه على یدى من اصطفاه، فمن أطاعه رشد و من عصاه ضل و غوى و لزمته الحجة بما ملکه من الاستطاعه لاتباع أمره و اجتناب نهیه، فمن أجل ذلک حرمه ثوابه و أنزل به عقابه.

و هذا القول بین القولین لیس بجبر و لا تفویض و بذلک أخبر أمیرالمؤمنین صلوات الله علیه، عبایة بن ربعى الأسدى حین سأله عن الاستطاعة التى بها یقوم و یقعد و یفعل، فقال له أمیرالمؤمنین علیه‏السلام سألت تملکها من دون الله أو مع الله، فسکت عبایة، فقال له أمیرالمؤمنین علیه‏السلام قل یا عبایة، قال: و ما أقول؟

قال علیه‏السلام: أن قلت: انک تملکها مع الله قتلتک و ان قلت: تملکها دون الله قتلتک.

قال عبایه: فما أقول یا أمیرالمؤمنین؟

قال علیه‏السلام: تقول انک تملکها بالله الذى یملکها من دونک، فان یملکها ایاک کان ذلک من عطائه، و ان یسلبکها کان ذلک من بلائه، هو المالک لما ملکک و القادر على ما علیه أقدرک، أما سمعت الناس یسألون الحول و القوة حین یقولون: لا حول و لا قوة الا بالله.

قال: عبایة و ما تأویلها یا أمیرالمؤمنین؟

قال علیه‏السلام: لا حول عن معاصى الله الا بعصمة الله، و لا قوة لنا على طاعة الله الا بعون الله.

قال فوثب عبایة فقبل یدیه و رجلیه.

و روى عن أمیرالمؤمنین علیه‏السلام: حین أتاه نجده یسأله عن معرفة الله، قال: یا

أمیرالمؤمنین بما عرفت ربک؟

قال علیه‏السلام: بالتمییز الذى خولنى، و العقل الذى دلنى.

قال: أفمجبول أنت علیه؟

قال: لو کنت مجبولا ما کنت محمودا على احسان و لا مذموما على اسائة و کان المحسن أولى باللائمة من المسى‏ء فعلمت أن الله قائم باق و مادونه حدث حائل زائل و لیس القدیم الباقى کالحدث الزائل.

قال نجدة: أجدک أصبحت حکیما یا أمیرالمؤمنین.

قال أصبحت مخیرا، فان أتیت السیئة بمکان الحسنة فأنا المعاقب علیها.

و روى عن أمیرالمؤمنین علیه‏السلام أنه قال الرجل سأله بعد انصرافه من الشام، فقال: یا أمیرالمؤمنین أخبرنا عن خروجنا الى الشام بقضاء و قدر؟ قال: نعم یا شیخ؛ ما علوتم تلعة و لا هبطتم وادیا الا بقضاء و قدر من الله.

فقال الشیخ: عند الله أحتسب عنائى یا أمیرالمؤمنین؟

فقال علیه‏السلام: مه یا شیخ، فاالله قد عظم أجرکم فى مسیرکم، و أنتم سائرون، و فى مقامکم و أنتم مقیمون، و فى انصرافکم و أنتم منصرفون، و لم تکونوا فى شى‏ء من امورکم مکرهین، و لا الیه مضطرین، لعلک ظننت أنه قضاء حتم و قدر لازم، لو کان ذلک کذلک لبطل الثواب و العقاب و لسقط الوعد و الوعید، و لما ألزمت الأشیاء أهلها على الحقائق ذلک مقالة عبدة الأوثان و أولیاء الشیطان، ان الله جل و عز أمر تخیرا و نهى تحذیرا و لم یطع مکرها و لم یعص مغلوبا و لم یخلق السماوات و الأرض و ما بینهما باطلا ذلک ظن الذین کفروا فویل للذین کفروا من النار،(17) فقام الشیخ فقبل رأس أمیرالمؤمنین علیه‏السلام و أنشأ یقول:

أنت الامام الذى نرجو بطاعته‏++

یوم النجاة من الرحمن غفرانا

أوضحت من دیننا ما کان ملتبسا++

جزاک ربک عنا فیه رضوانا

فلیس معذرة فى فعل فاحشة++

قد کنت راکبها ظلما و عصیانا

فقد دل أمیرالمؤمنین علیه‏السلام على موافقه الکتاب و نفى الجبر و التفویض اللذین یلزمان من دان بهما تقلدهما الباطل و الکفر و تکذیب الکتاب، و نعوذ بالله من الضلالة و الکفر و لسنا ندین بجبر و لا تفویض لکنا نقول بمنزلة بین المنزلتین و هو الامتحان و الاختبار بالاستطاعة التى ملکنا الله و تعبدنا بها على ما شهد به الکتاب و دان به الأئمه الأبرار من آل الرسول صلوات الله علیهم. و مثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملک عبدا و ملک مالا کثیرا أحب أن تختبر عبده على علم منه بما یؤول الیه، فملکه من ماله بعض ما أحب و وقفه على امور عرفها العبد فأمره أن یصرف ذلک المال فیها، و نهاه عن أسباب لم یحبها و تقدم الیه أن یجتنبها و لا ینفق من ماله فیها، و المال یتصرف فى أى الوجهین، فصرف المال أحدهما فى اتباع أمر المولى و رضاه، و الآخر صرفه فى اتباع نهیه و سخطه، و أسکنه دار اختبار، أعلمه أنه غیر دائم له السکنى فى الدار و أن له دارا غیرها و هو مخرجه الیها فیها ثواب و عقاب دائمان، فان أنفد العبد المال الذى ملکه مولاه فى الوجه الذى أمره به جعل له ذلک الثواب الدائم فى تلک الدار التى أعلمه أنه مخرجه الیها، و ان أنفق المال فى الوجه الذى نهاه عن انفاقه فیه، جعل له ذلک العقاب الدائم فى دار الخلود. و قد حد المولى فى ذلک حدا معروفا و هو المسکن الذى أسکنه فى الدار الاولى، فاذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال و بالعبد على أنه لم یزل مالکا للمال و العبد فى الأوقات کلها الا أنه وعد أن لا یسلبه ذلک المال ما کان فى تلک الدار الاولى الى أن یستتم سکناه فیها، فوفى له لأن من صفات المولى العدل و الوفاء و النصفة و الحکمة أو لیس یجب ان کان ذلک العبد حرف ذلک المال فى

الوجه المأمور به أن یفى له بما وعده من الثواب و تفضل علیه بأن استعمله فى دار فانیة و أثابه على طاعته فیها نعیما دائما فى دار باقیة دائمة. و ان صرف العبد المال الذى ملکه مولاه أیام سکناه تلک الدار الاولى فى الوجه المنهى عنه و خالف أمر مولاه کذلک تجب علیه العقوبة الدائمة التى حذره ایاها، غیر ظالم له لما تقدم الیه و أعلمه و عرفه و أوجب له الوفاء بوعده و وعیده، بذلک یوصف القادر القاهر. و أما المولى فهو الله جل و عز و أما العبد فهو ابن آدم المخلوق و المال قدرة الله الواسعة و محنته اظهاره الحکمة و القدرة و الدار الفانیة هى الدنیا. و بعض المال الذى ملک مولاه هو الاستطاعة التى ملک ابن آدم و الامور التى أمر الله بصرف المال الیها هو الاستطاعته لاتباع الأنبیاء و الاقرار بما أور دوه عن الله جل و عز و اجتناب الأسباب التى نهى عنها هى طرق ابلیس. و اما وعده فالنعیم الدائم و هى الجنة.

و أما الدار الفانیة فهى الدنیا، و أما الدار الأخرى فهى الدار الباقیه و هى الآخرة. و القول بین الجبر التفویض هو الاختبار و الامتحان و البلوى بالاستطاعة التى ملک العبد.

و شرحها فى الخمسة الأمثال التى ذکرها الصادق علیه‏السلام، أنها جمعت جوامع الفضل و أنها مفسرها بشواهد من القرآن و البیان ان شاء الله.


1) سورة المائدة، الایة 55.

2) سورة الأحزاب، الایة 57.

3) سورة البقرة، الایة 81.

4) سورة النساء، الآیة 10.

5) سورة النساء، الایة 56.

6) سورة البقرة، الآیة 85.

7) سورة الأنعام، الآیة 160.

8) سورة آل عمران، الآیة 30.

9) سورة غافر، الآیة 17.

10) سورة الزمر، الآیة 7.

11) سورة البقرة، الآیة 102.

12) سورة الذاریات، الآیة 56.

13) سورة النساء، الآیة 36.

14) سورة الزخرف، الآیة 31.

15) سورة الزخرف، الآیة 32.

16) سورة الأحزاب، الآیة 36.

17) سورة ص، الآیة 27.