روى الاربلى فى کشف الغمة عن کتاب الدلائل عن أیوب قال: قال فتح بن یزید الجرجانى: ضمنى و أباالحسن علیهالسلام الطریق، منصر فى من مکة الى خراسان و هو صائر الى العراق، فسمعته و هو یقول: من اتقى الله یتقى و من أطاع الله یطاع.
قال: فتلطفت فى الوصول الیه، فسلمت علیه فرد على السلام و أمرنى بالجلوس و أول ما ابتدأنى به أن قال: یا فتح من أطاع الخالق لم یبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فأیقن أن یحل به الخالق سخط المخلوق، و ان الخالق لا یوصف الا بما وصف به نفسه، و أنى یوصف الخالق الذى یعجز الحواس أن تدرکه، الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به، جل عما یصفه الواصفون، و تعالى عما ینعته الناعتون، نأى فى قربه، و قرب فى نأیه، فهو فى نأیه قریب، و فى قربه بعید، کیف الکیف فلا یقال کیف، و أین الأین فلا یقال أین، اذ هو منقطع الکیفیة و الأینیة.
هو الواحد الصمد، لم یلد و لم یولد، و لم یکن له کفوا أحد، فجل جلاله.
بل کیف یوصف بکنهه محمد صلى الله علیه و آله و قد قرنه الجلیل باسمه، و شرکه فى عطائه، و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، اذ یقول «و ما نقموا ألا أن أغناهم الله و رسوله من فضله»(1) و قال: یحکى قول من ترک طاعته و هو یعذبه بین أطباق نیرافها و سرابیل قطرانها «یالتینا أطعنا الله و أطعنا الرسولا»،(2) أم کیف یوصف بکنهه من قرن الجلیل طاعتهم بطاعة رسوله حیث قال: أطیعوا الله و أطیعوا الرسول و اولى الأمر منکم(3) و قال: «و لو ردوه الى الرسول و الى اولى الأمر منهم»(4) و قال: ان الله یأمرکم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها(5) و قال: فاسألوا أهل الذکر ان کنتم لا تعلمون.(6)
یا فتح کما لا یوصف الجلیل جل جلاله و الرسول، و الخلیل و ولد البتول، فکذلک لا یوصف المؤمن المسلم لأمرنا. فنبینا أفضل الأنبیاء، و خلیلنا أفضل الأخلاء، و وصیتنا أکرم الأوصیاء، و اسمهما أفضل الأسماء کنیتهما أفضل الکنى، و أحلاها، لو لم یجالسنا الا کفو لم یجالسنا أحد، و لو لم یزوجنا الا کفو لم یزوجنا أحد.
أشد الناس تواضعا، أعلمهم حلما و أنداهم کفا و أمنعهم کنفا، ورث عنهما أوصیاؤهما علمهما فاردد الیهما الأمر و سلم الیهم أماتک الله مماتهم، و أحیاک حیاتهم، اذا شئت رحمک الله.
قال فتح: فخرجت فلما کان الغد تلطفت فى الوصول الیه فسلمت علیه فرد السلام. فقلت یابن رسول الله أتأذن فى مسألة اختلج فى صدرى أمرها لیلتى؟
قال: سل! و ان شرحتها فلى و ان أمسکتها فلى، فصحح نظرک، و ثبت فى
مسألتک واصغ الى جوابها سمعک، و لا تسأل مسألة تعنیت و اعتن بما تعتنى به، فان العالم و المتعلم شریکان فى الرشد، مأموران بالنصیحة، منهیان عن الغش.
و أما الذى اختلج فى صدرک، فان شاء العالم أنباک أن الله لم یظهر على غیبه أحدا الا من ارتضى من رسول، فکل ما کان عند الرسول کان عند العالم، و کل ما اطلع علیه الرسول فقد اطلع أوصیاء علیه، کیلا تخلو أرضه من حجة یکون معه علم یدل على صدق مقالته و جواز عدالته. یا فتح عسى الشیطان أراد اللبس علیک، فأوهمک فى بعض ما أودعک، و شکک فى بعض ما أنبأئک، حتى أراد ازالتک عن طریق الله صراطه المستقیم؟
فقلت: متى أیقنت أنهم کذا فهم أرباب معاذ الله انهم مخلوقون مربوبون مطیعون لله، داخرون راغبون، فاذا جاءک الشیطان من قبل ما جاءک فاقمعه بما أنبأتک به.
فقلت له: جعلت فداک: فرجت عینى، و کشفت ما لبس الملعون على بشرحک فقد کان أوقع فى خلدى أنکم أرباب، قال: فسجد أبوالحسن علیهالسلام و هو یقول فى سجوده: راغما لک یا خالقى داخرا خاضعا، قال: فلم یزل کذلک حتى ذهب لیلى.
ثم قال: یا فتح کدت أن تهلک و تهلک، و ما ضر عیسى علیهالسلام اذا هلک من هلک انصرف اذا شئت رحمک الله.
قال: فخرجت و أنا فرح بما کشف الله عنى من اللبس بأنهم هم، و حمد الله على ما قدت علیه. فلما کان فى المنزل الآخر، دخلت علیه و هو متکىء، و بین یدیه حنطة مقلوة، یعبث بها، و قد کان أوقع الشیطان فى خلدى أنه لا ینبغى أن یأکلوا و یشربوا اذ کان ذلک آفة و الامام غیر ذى آفة،
فقال: اجلس یا فتح، فان لنا بالرسل أسوة، کانوا یأکلون و یشربون و یمشون فى الأسواق و کل جسم مغذ و بهذا الا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام، و هو لم
یجسم و لم یجزء تبناه، و لم یتزاید و لم یتناقض، مبرء من ذاته ما رکب فى ذات من جسمه. الواحد الأحد الصمد الذى لم یلد و لم یولد و لم یکن له کفوا أحد، منشىء الأشیاء، مجسم الأجسام و هو السمیع العلیم، اللطیف الخبیر، الرؤوف الرحیم تبارک و تعالم عما یقول الظالمون علوا کبیرا
لو کان کما یوصف لم یعرف الرب من المربوب و لا الخالق من المخلوق و لا المنشىء من المنشأ، لکنه فرق بینه و بین من جسمه، و شیأ الأشیاء اذ کان لا یشبهه شیىء یرى، و لا یشبه شیئا.(7)
1) سورة التوبه، الآیة 74.
2) سورة الأحزاب، الآیة 66.
3) سورة النساء، الآیة 59.
4) سورة النساء، الآیة 83.
5) سورة النساء، الآیة 58.
6) سورة النمل، الآیة 43.
7) بحارالأنوار، ج 50، ص 177، عن کشف الغمه، ج 3، ص 247.