من الممکن أن یختلج فى ذهن القارئ الکریم، بأن هذه النصوص دالة على امامة محمد بن على، ولکن بموته انتقلت الامامة منه الى الحسن بن على العسکرى علیهالسلام.
أقول: لا شک ان محمد بن على کان من الشخصیات العظیمة، و کان معظما عند الامام الهادى علیهالسلام، ولکن هل صرح الامام فى کتاب أو لقاء أو خطاب أو حدیث سرا أو علانیة بذلک؟ الجواب: لا. لأننالم نجد أى نص معتبر و حتى غیر معتبر عنه علیهالسلام ما یدل على تصریح بامامة ولده محمد. بل کل ذلک کان من تخیلات بعض الشیعة فیه، حیث کانوا یرون تعظیم الامام له و کونه من أکبر أولاد الامام الهادى علیهالسلام.
و أما کلام أبىهاشم الجعفرى حیث قال: و قد أشار الیه و دل علیه. و کلام شاهویه حیث قال: رویت عن أبى الحسن فى أبى جعفر ابنه روایات تدل علیه.
فنقول أین هذا الحدیث الذى دلک الامام على بن محمد علیهالسلام علیه. و لماذا لم ترویه لنا!!
و نقول لشاهویه: ما هى هذه الروایات التى رویتها عن الهادى علیهالسلام و هل هذه الروایات کانت تدل على امامته أم کانت تدل على فضله و شأنه و سمو مقامه، فاذا کانت تدل على فضله، فأین التصریح بامامته و اذا کانت فیها تصریح فلماذا لم تذکر لنا و لو روایة واحدة على الأقل.
و ثانیا: لماذا قلق شاهویه من موت محمد، و لماذا تحیر بحیث لم یقدم و لم یؤخر؟
فهل هذا القلق و التحیر عادة یکون بعد الامام أو فى حیاته!!
و ثالثا: متى دل الامام على ولده محمد بن على، بل ورد عنه بعکس ما قاله أبوهاشم و شاهویه، فانه صرح بامامة ولده الحسن علیهالسلام حتى فى حیاة ولده محمد بل کما سیمر علیک بعد قلیل انه أشار الیه بالامامة و هو حدث و نفى امامة ولده محمد.
و رابعا کیف یمکن هذه الدلالة فى حین أن أسماء الأئمة علیهمالسلام کانت معلومة
موجودة و صرح به النبى و العترة الطاهرة من دون أى زیادة و نقیصة و تغییر و تبدیل.
کما جاء أسماءهم فى حدیث اللوح المهداة من قبل الله لفاطمة الزهرا علیهاالسلام و قد رآه جابر عند فاطمه.(1)
فکیف فهم أبوهاشم و شاهویه هذه الدلالة فى أبىجعفر و لم یفهمه سائر أصحابه علیهالسلام. یبقى علینا أن تتأمل فیما قاله الامام الهادى فى موت أبى جعفر لولده الحسن العسکرى علیهالسلام حیث قال له: یا بنى أحدث لله شکرا فقد أحدث فیک أمرا.
فلقائل أن یقول: ان هذه العبارة و ما شابهها فى النصوص المتقدمة تدل على أن الأمر کان فى محمد بن على ثم تغیر بالبداء.
أقول: من المهم جدا أن نعرف معنى البداء الجائز اطلاقه على الله و البداء الذى لا یجوز اطلاقه علیه سبحانه. و ثانیا نعرف معنى البداء المستعمل فى الروایات على الله تعالى.
أما البداء فى اللغة هو ظهور الشى، یقال بدا الشى یبدو اذا ظهر(2) و منه بدا له فى الأمر ظهر له استصواب شى غیر الأول(3) و هذا المعنى مستحیل على الله تعالى لأنه یستلزم وضوح أمر کان قد خفى عنه. قال الصادق علیهالسلام: من زعم أن الله تعالى بدا له فى شى بداء ندامة فهو کافر بالله العظیم.(4) و قال: من زعم أن الله تعالى یبدو له فى شى لم یعلمه أمس فابروأ منه(5) فالمعنى فى قول الامامیة بدالله
فى کذا، أى ظهر له فیه و معنى ظهر فیه أى ظهر منه(6)
قال السید علم الهدى رحمه الله یمکن أن یحمل البداء على حقیقته بأن یقال: بدالله تعالى بمعنى أنه ظهر من الأمر ما لم یکن ظاهرا له….(7) اذا فاللام فى لفظه الجلالة فى الحدیث بمعنى من. و بدا له أى بدا منه.
فیکون المعنى فى الحدیث: أحدث لله شکرا لأنه عزوجل رفع کل الأوهام الشکوک حول امامتک بموت أخیک محمد. لأن الشیعة کانت تعتقد ان الامامة فى الولد الأکبر من کل أمام، و لو بقى محمد بن على لاختلفت الشیعة فى امامة العسکرى علیهالسلام حیث کان هو أکبر أولاد الامام الهادى علیهالسلام. فکان من نعم الله علیه. و أشار الامام الیه ان یؤدى شکر ذلک. و لا شک ان قصتهما قصة اسماعیل ابن الامام جعفر الصادق علیهالسلام حیث قال علیهالسلام بعد موت ولده اسماعیل: ما بدالله فى شى کما بداله فى اسماعیل ابنى.
قال السید محمد کلانتر فى توضیح ما روى عن الصادق علیهالسلام: فیکون المعنى فى الحدیث انه ما ظهر من الله عزوجل فى شى مثل ما ظهر منه فى اسماعیل حیث کانت الشیعة تعتقد الامامة فیه لوجود مؤهلات الامامة عنده و لاسیما کونه أکبر ولد الامام الصادق و کان هذا من المسلمات الأولیة عندهم و التى لا یشک فیه اثنان منهم ولکن بعد موت اسماعیل و کشف الامام الصادق علیهالسلام وجهه و ارائته للشیعة حتى یتیقنوا بموته، ظهر لهم خلاف ما کانوا یعتقدونه و ان الامامة کانت لأخیه من بدایة الأمر.(8)
1) کمالالدین، ج 1، ص 307، عیون الأخبار الرضا، ج 1، ص 40.
2) معجم مقاییس اللغة، ج 1، ص 212.
3) مجمع البحرین، ص 9.
4) البداء، ص 78، عقائد الامامیه، ص 20.
5) نفس المصدر، ص 78.
6) شرح عقائد الصدوق المطبوع مع أوائل المقالات، ص 199.
7) البداء، ص 81.
8) نفس المصدر، ص 88.