کان المتوکل شدید الوطأة على آل أبى طالب، غلیظا على جماعتهم مهتما بأمورهم، شدید الغیظ و الحقد علیهم، و سوء الظن و التهمة لهم، و اتفق له أن عبیدالله بن یحیى بن خاقان وزیره یسىء الرأى فیهم، فحسن له القبیح فى معاملتهم، فبلغ فیهم مالم یبلغه أحد من خلفاء بنىالعباس قبله، و کان من ذلک أن کرب قبر الحسین و عفى آثاره، و وضع على سائر الطرق مسالح له، لا یجدون
أحدا زاره الا أتوه به فقتله أو أنهکه عقوبة.(1)
قال أبوالفرج: کان السبب فى کرب قبر الحسین أن بعض المغنیات کانت تبعث بجواریها الیه قبل الخلافة یغنین له اذا شرب، فلما ولیها بعث الى تلک المغنیة فعرف أنها غائبة و کانت قد زارت قبر الحسین، و بلغها خبره، فأسرعت الرجوع، بعثت الیه بجاریة من جواریها کان یألفها فقال لها: أین کنتم؟
قالت: خرجت مولاتى الى الحج و أخرجتنا معها، و کان ذلک فى شعبان، فقال الى أین حججتم فى شعبان؟ قالت الى قبر الحسین.
فاستطیر غضبا و أمر بمولاتها فحبست و استصفى أملاکها، و بعث برجل من أصحابه یقال له الدیزج و کان یهودیا فأسلم، الى قبر الحسین و أمر بکرب قبره و محوه و اخراب کل ما حوله، فمضى لذلک و خرب ما حوله و هدم البناء و کرب ما حوله نحو مائتى جریب، فلما بلغ الى قبره لم یتقدم الیه أحد، فأحضر قوما من الیهود فکربوه، و أجرى الماء حوله و وکل به مسالح بین کل مسلحتین میل لا یزوره زائر الا أخذوه و وجهوا به الیه.(1)
قال الطبرى: و فیها – اى فى سنة 236 – أمر المتوکل بهدم قبر الحسین بن على، و هدم ما حوله من المنازل و الدور و أن یحرث و یبذر و یسقى موضع قبره و أن یمنع الناس من اتیانه، فذکر أن عامل صاحب الشرطة نادى فى الناحیة: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثه بعثنا به الى المطبق، فهرب الناس و امتنعوا من المصیر الیه و حرث ذلک الموضع و زرع ما حو الیه.(2)
و حدثنا الأصبهانى عن محمد بن الحسین الأشنانى قال: بعد عهدى بالزیارة
فى تلک الأیام خوفا، ثم عملت على المخاطرة بنفسى فیها و ساعدنى رجل من العطارین على ذلک، فخرجنا زائرین نکمن النهار و نسیر اللیل. حتى أتینا نواحى الغاضریة، و خرجنا منها نصف اللیل فسرنا بین مسلحتین و قد ناموا حتى أتینا القبر فخفى علینا، فجعلنا نشمه و نتحرى جهته حتى أتیناه و قد قلع الصندوق الذى کان حو الیه و أحرق، و أجرى الماء علیه فانخسف موضع اللبن و صار کالخندق.
فزرناه و أکببنا علیه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط کشئ من الطیب، فقلت للعطار الذى کان معى: أى رائحة هذه؟ فقال: لا و الله ما شممت مثلها کشئ من العطر، فود عناه و جعلنا حول القبر علامات فى عدة مواضع، فلما قتل المتوکل اجتمعنا مع جماعة من الطالبیین و الشیعة حتى صرنا الى القبر فأخرجنا تلک العلامات و أعدناه الى ما کان علیه.(3)
1) مقاتل الطالبیین، ص 478.
2) تاریخ الطبرى، ج 5، ص 312.
3) مقاتل الطالبیین، ص 479.