و فى الخرائج: روى یحیى بن هرثمة، قال: دعانى المتوکل، قال: اختر ثلاث
مائة رجل ممن ترید و اخرجوا الى الکوفة فخلفوا أثقالکم فیها، و اخرجوا طریق البادیة الى المدینة، فاحضروا على بن محمد بن الرضا الى عندى مکرما معظما مبجلا.
قال: ففعلت و خرجنا و کان فى أصحابى قائد من الشراة – اى الخوارج – و کان لى کاتب یتشیع و أنا على مذهب الحشویة و کان ذلک الشارى یناظر ذلک الکاتب کنت استریح الى مناظرتها لقطع الطریق.
فلما صرنا الى وسط الطریق، قال الشارى للکاتب: ألیس من قول صاحبکم على بن أبى طالب أنه لیس من الأرض بقعة الا و هى قبر أو سیکون قبرا؟ فانظر الى هذه التربة أین من یموت فیها حتى یملأ الله قبورا کما یزعمون.
قال: فقلت للکاتب هذا من قولکم؟
قال: نعم. قلت: صدق أین یموت فى هذه التربة العظیمة حتى یمتلئ قبورا و تضاحکنا ساعة اذ انخذل الکاتب فى أیدینا.
قال: و سرنا حتى دخلنا المدینة، فقصدت باب أبى الحسن على بن محمد بن الرضا 7. فدخلت علیه، فقرأ کتاب المتوکل، فقال: انزلوا و لیس من جهتى خلاف.
قال: فلما صرت الیه من الغد و کنا فى تموز أشد ما یکون من الحر، فاذا بین یدیه خیاط و هو یقطع من ثیاب غلاظ خفاتین له و لغلمانه. ثم قال للخیاط: أجمع علیها جماعة من الخیاطین و اعمد على الفراغ منها یومک هذا و بکر بها الى فى هذا الوقت، ثم نظر الى و قال: یا یحیى اقضوا وطرکم من المدینة فى هذا الیوم و اعمد على الرحیل غدا فى هذا الوقت. قال: فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الخفاتین و أقول فى نفسى نحن فى تموز و حر الحجاز و انما بیننا و بین العراق مسیرة عشرة أیام فما یصنع بهذه الثیاب؟
ثم قلت فى نفسى: هذا رجل لم یسافر و هو یقدر أن کل سفر یحتاج فیه الى مثل هذه الثیاب و العجب من الرافضة حیث یقولون بامامة هذا مع فهمه هذا.
فعدت الیه فى الغد فى الوقت، فاذا الثیاب قد احضرت فقال لغلمانه:
ادخلوا اخذوا لنا معکم لبابید و برانس. ثم قال: ارحل یا یحیى.
فقلت فى نفسى هذا أعجب من الأول أیخاف أن یلحقنا الشتاء فى الطریق حتى أخذ معه اللبابید و البرانس؟ فخرجت و أنا استصغر فهمه، فعبرنا حتى اذا وصلنا ذلک الموضع الذى وقعت المناظرة فى القبور ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت حتى اذا صارت على رؤسنا أرسلت علینا بردا مثل الصخور وقد شد على نفسه و على غلمانه الخفاتین و لبسوا اللبابید و البرانس، قال لغمانه: ادفعوا الى یحیى لبادة و الى الکاتب برنسا و تجمعنا و البرد یأخذنا حتى قتل من أصحابى ثماثین رجلا و زالت و رجع الحر کما کان.
فقال لى یا یحیى أنزل من بقى من أصحابک لیدفن من قدمات من أصحابک فهکذا یملأ الله البریة قبورا.
قال: فرمیت نفسى عن دابتى و عدوت الیه و قبلت رکابه و رجله و قلت: أنا أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا عبده و رسوله، و أنکم خلفاء الله فى أرضه و قد کنت کافرا و اننى الآن قد أسلمت على یدیک یا مولاى.
قال یحیى: و تشیعت و لزمت خدمته الى أن مضى.(1)
1) بحار الأنوار، ج 50، ص 144.