قد تیبا در الى ذهن القارئ الکریم، أنه لماذا کانت أکثر أمهات الأئمة علیهمالسلام من الجوارى؟
ألم تکن نساء حرات فى المدینة و ألم تتوفر البنات فى بنىهاشم و آل أبى طالب، فلما ذا لم یتنروج أئمتنا بهن لتحضین بالسعادة الأبدیة؟
قلنا أولا ان أمر التسرى کان شایعا فى ذلک الیوم، فمثلا کان الامام على علیهالسلام و هکذا بقیه المعصومین عندهم الجوارى و قد تزوجوا بهن و أولدن، فکثیر من أبناء المعصومین کانوا من أبناء الجوارى. فلرب جاریة کانت خیر من غیرها و کان فیها المؤهلات لأن تکون اما لامام و لم تکن هذه المؤهلات فى جاریة أخرى بل حرة أخرى و ان کانت ولدتها الأئمه علیهمالسلام.
اذا فکان الاصطفاء منهن لعلل منها ایمانها التى رحجتها حتى على الحرة.
و ثانیا: و لعل هذا الاصطفاء من الجاریات لتالیف القلوب و لجلب المودة المحبة حیث کانت القلوب تشتاق الیهم أکثر فأکثر.
و ثالثا: الأفضل أن نقول و هذه أیضا من الأسرار لأنهم علیهمالسلام لم یقدموا على کل جاریة رغم کثرة الجوارى فى المدینة و بغداد و غیرها من البلدان، فلو تأملنا فى قصة أم الهادى و اعطاء الامام الجواد لمحمد بن الفرج مبلغا من المال و أمره بابتیاع جاریة وصفها له فى حین ان الامام لم یکن رآها من قبل و لا عرفها ظاهرا. و هکذا لو تأملنا فى قصه شراء ام القائم المهدى علیهالسلام، لا تضحت المسئله أکثر فأکثر. و الیک خلاصة ما قاله الامام الهادى علیهالسلام لبشر بن سلیمان النخاس فى شراء ام القائم علیهالسلام.
قال بشر: فبینما أنا ذات لیلة فى منزلى بسر من رأى و قد مضى هوى من اللیل
اذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فاذا أنا بکافور الخادم رسول مولانا أبى الحسن على بن محمد علیهماالسلام یدعونى الیه، فلبست ثیابى و دخلت علیه فرأیته یحدث ابنه أبا محمد و اخته حکیمة من وراء الستر، فلما جلست قال: یا بشر انک من ولد الأنصار و هذه الولایة لم تزل فیکم یرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البیت و انى مزکیک و مشرفک بفضیلة تسبق بها شأو الشیعة فى الموالات بها: بسر أطلعک علیه و أنفذک فى ابتیاع أمة، فکتب کتابا ملصقا بخط رومى و لغة رومیة و طبع علیه بخاتمه، و أخرج شستقة صفراء فیها مأئتان و عشرون دینارا فقال: خذها و توجه بها الى بغداد و أحضر معبر الفرات ضحوة کذا، فاذا وصلت الى جانبک زواریق السبایا و برزن الجوارى منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعین من وکلاء قواد بنىالعباس و شراذم من فتیان العراق، فاذا رأیت ذلک فأشرف من البعد على المسمى عمر بن یزید النخاس عامة نهارک الى أن یبرز للمبتاعین جاریة صفتها کذا کذا لابسة حریرتین صفیقتین تمتنع من السفور و لمس المعترض و الانقیاد لمن یحاول لمسها و یشغل نظره بتأمل مکاشفها من وراء الستر الرقیق فیضربها النخاس فتصرخ صرخة رومیة، فاعلم أنها تقول: و اهتک ستراه فیقول بعض المبتاعین على بثلاثمائة دینار فقد زادنى العفاف فیها رغبة، فتقول بالعربیة: لو برزت فى زى سلیمان و على مثل سریر ملکه ما بدت لى فیک رغبة فأشفق على مالک، فیقول النخاس: فما الحیلة و لابد من بیعک؟!
فتقول الجاریة: و ما العجلة و لابد من اختیار مبتاع یسکن قلبى الیه و الى أمانته و دیانته، فعند ذلک قم الى عمر بن یزید النخاس و قل له: ان معى کتابا ملصقا لبعض الأشراف کتبه بلغة رومیة و خط رومى و وصف فیه کرمه و وفاه نبله و سخاه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فان مالت الیه و رضیته فأنا وکیله فى ابتیاعها منک.
قال بشر بن سلیمان النخاس: فامتثلت جمیع ماحده لى مولاى أبوالحسن علیهالسلام فى أمر الجاریة، فما نظرت فى الکتاب بکت بکاءا شدیدا، و قالت لعمر بن یزید النخاس بعنى من صاحب هذا الکتاب و حلفت بالمحرجة المغلظة انه متى امتنع من بیعها منه قتلت نفسها، فما زلت اشاحه فى ثمنها حتى استقر الأمر فیه على مقدار ما کان أصحبنیه مولاى علیهالسلام من الدنانیر و الشستقة الصفراء، فاستوفاه منى و تسلمت منه الجاریة ضاحکة مستبشرة….(1)
تلخص أنه رغم وجود الحرات و الجوارى، لکن اصطفاء الائمة علیهمالسلام بعضهن لتکون اما لبعض المعصومین علیهمالسلام، مسئله مهمة و غامضة لا یسعنا التدخل فى ذلک.
1) کمالالدین، ج 2، ص 417، دلائل الامامة، ص 263، الغیبة، ص 124.