جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

تقدیم‏ العلامة القرشی

زمان مطالعه: 3 دقیقه

بسم الله الرحمن الرحیم

فى سیرة أئمة الهدى، و مصابیح الاسلام، و منابع الحکمة فى دنیا الاسلام ملتقى أصیل للمثل العلیا، و القیم الرفیعة التى یعتز بها کل کائن حى من بنى الانسان، فقد تجسدت فى سیرتهم و سلوکهم سیرة و سلوک جدهم الرسول صلى الله علیه و آله الذى فجر ینابیع العلم و الحکمة فى الأرض.

و من شموع العترة الطاهرة، و کواکبها المشرقة الامام الأعظم الهادى علیه‏السلام فقد شابه جده الامام أمیرالمؤمنین علیه‏السلام فى مواهبه و عبقریاته و فى محنه و بلواه، فقد ابتلى کأعظم ما یکون الابتلاء بطاغیة زمانه، و فرعون هذه الأمة المتوکل العباسى الذى اقترف کل ما حرم الله تعالى من اثم، فقد قضى معظم حیاته الآثمة بالظلم و الجور و الاستبداد، و کان من أعظم جرائمه أنه صب جام غضبه على عترة رسول الله صلى الله علیه و آله فحرم علیهم بلغة العیش، و قد ذکر المؤرخون و الرواة صورا قاسیة من ظلمه لذریة رسول الله صلى الله علیه و آله، کان منها أن السادة فى المدینة المنورة عز علیهم الثوب الذى یلبسونه و الطعام الذى یأکلون، و کانوا فى غلس اللیل البهیم یجوبون فى الشوارع لعلهم یعثرون على ما ألقى من فضلات الطعام فیقتاتون به(1) و اذا بلغه أن مسلما أوصلهم و لو بقلیل من المال نکل به أفظع التنکیل و أقساه.

و من عظیم ما اقترف هذا الطاغیة من الموبقات و المنکرات، هدمه لقبر

المظلوم الغریب سید شباب أهل الجنة الامام الحسین علیه‏السلام و انزاله العقاب الصارم على من تشرف بزیارته، فقد فرض علیهم الضرائب الثقیلة، و لم یکتف بذلک، و انما أمر بقطع أیدیهم و تصفیة أجسادهم، و لم تهتم شیعة أهل البیت علیهم‏السلام بهذه الاجراءات القاسیة الظالمة، فکانوا یهرعون بلهفة و شوق الى زیارة المرقد العظیم الذى صار منارا للکرامة الانسانیة و کعبة للوافدین، فما أظلت قبة السماء مکانا قط أشرف و لا أزکى و لا أنور من مرقد سیدالشهداء، فالسعید السعید الذى یحضى بزیارته، و لثم ضریحه یقول الجواهرى:

تعالیت من مفزع للحتوف‏++

و بورک قبرک من مفزع‏

تلوذ الدهور به فمن‏++

سجد على جانبیه و من رکع‏

لقد انطوت أیام المتوکل العباسى، فقد انتقم الله تعالى منه شر انتقام، فقد هجم عبیه الأتراک بایعاز من ولده الشریف الجلیل، و کان الطاغیة سکرانا ثملا قد ملأ جوفه بالخمر، فقطعه الأتراک بسیوفهم اربا اربا، و معه رئیس وزرائه قد احتضنه و هو الفتح بن خاقان، فلم یعرف لحم أحدهما من الآخر، و قد ملئت کؤوس الخمر من لحمهما، فکانت مقبرة لتلک الجیف التى عادت الله و رسوله، و هذا مصیر کل من عادى الامام علیه‏السلام.

و من الجدیر بالذکر أن البحترى قد رثاه بقصیدة کان منها:

هکذا فلتکن منایا الکرام‏++

بین ناى و مزهر و مدام‏

بین کأسین أورثاه جمیعا++

کأس لذاته و کأس الحمام‏

لقد رثاه البحترى بقصیدته التى حکت مجونه و خلاعته، و تمرده على القیم الاسلامیة، فقد وافته المنیة، و هو بین کؤوس الخمر و آلات الطرب، و کانت الشعراء ترثى الملوک بعد وفاتهم بالأسى و الحزن، و تذکر ما منیت به الأمة بعد فقدهم من البر و الرعایة و الاحسان و الخیر العمیم.

و على أى حال فقد کان الامام الهادى علیه‏السلام فى طلیعة الناقمین على هذا الطاغیة الفاجر، و قد عانى منه صورا قاسیة من الظلم و الاعتداء فکان یزجه فى ظلمات السجون فى مکان ضیق رأیته فى سجونه فى سامراء کما کان یعتقله فى اللیل، و یبالغ فى ظلمه و الاعتداء علیه و هو صابر محتسب.

و قد عرض بصورة مفصلة و دقیقة و شاملة لحیاة هذا الامام العظیم شیخنا المفدى حجة الاسلام و المسلمین الشیخ محمد جواد الطبسى أیده الله و أعزه و حماه من کل مکروه، فقد رفع لى ولدى العلامة الفاضل الشیخ مهدى فصول هذا الکتاب فوجدته حافلا بجمیع المقومات العلمیة، فلم یترک بادرة من حیاة الامام علیه‏السلام الا عرض لها و قد دل ذلک على مدى تتبعه و جهوده شکر الله مساعیه، و أجزل له المزید من الأجر، و أعزه و رعاه و حفظه ذخرا للاسلام.

15 / محرم الحرام / 1426 ه. ق

النجف الأشرف

مکتبة الامام الحسن علیه‏السلام العامة

باقر شریف القرشى


1) الحدائق الوردیة مخطوط فى مکتبة الامام أمیرالمؤمنین علیه‏السلام.