یکنى أباالقاسم، قال النجاشى – فى شأنه -: شیخ هذه الطائفة و فقیهها،
و وجهها و لقى مولانا أبامحمد (علیهالسلام) و رأیت بعض أصحابنا یضعفون لقاءه لأبىمحمد، و یقولون: هذه حکایة موضوعة علیه و الله أعلم… و صنف سعد کتبا کثیرة… الى آخره.
أقول: ان مؤلفات سعد بن عبدالله بعضها فى أبواب الفقه، و بعضها فى الردود، و بعضها فى القرآن، و بعضها فى الفضائل و المثالب، و غیر ذلک.
و حول لقائه بالامام العسکرى (علیهالسلام) أقوال بین علماء الرجال من اثبات و تکذیب أو تضعیف، أو توقف، و لعل سبب التضعیف هو متن الحدیث الذى یروى عن الامام العسکرى (علیهالسلام)، و نحن نذکر الحدیث، ثم ننظر فى نقاط الضعف من هذا الحدیث لنرى هل تصلح هذه النقاط لتضعیف حدیث سعد؟ و الحدیث طویل، نقتطف منه بعض النقاط المهمة رعایة لاسلوب الکتاب، و نلخص شیئا من صدر الحدیث حتى لا یورث السأم و الملل فى القارىء، فنقول:
روى الشیخ الصدوق فى الجزء الثانى من (اکمال الدین) عن محمد بن على بن محمد بن حاتم النوفلى المعروف بالکرمانى قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن عیسى الوشاء البغدادى قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمى قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشیبانى قال: حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبدالله القمى…
و خلاصة الحدیث: ان سعد بن عبدالله کان یحب جمع الکتب، و کان شدید التعصب فى مذهبه و هو التشیع، و کان کثیر الجدل مع الأعداء.
و فى بعض محاوراته مع رجل من اعداء أهل البیت (علیهمالسلام) قال له ذلک الناصبى:
«تبا لک یا سعد، و لأصحابک (معاشر الرفضة) تقصدون على المهاجرین و الأنصار بالطعن علیهما (أى الشیخین) و تجحدون من رسول الله (صلى الله علیه و آله) و لایتهما و امامتهما.
هذا الصدیق (یعنى أبابکر) الذى فاق جمیع الصحابة بشرف سابقته؛
أما علمتم أن رسول الله (صلى الله علیه و آله) ما أخرجه مع نفسه الى الغار الا علما منه بأن الخلافة له من بعده، و أنه المقلد لأمر التأویل، و الملقى الیه أزمة الامة، و علیه المعول فى شعب الصدع، و لم الشعث، و سد الخلل، و اقامة الحدود، و تسریب (أى ارسال) الجیوش لفتح بلاد الشرک؟
و کما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، اذ لیس من حکم الاستتار و التوارى أن یروم – الهارب من البشر – مساعدة الى مکان یستخفى فیه؛
و لما رأینا النبى (صلى الله علیه و آله) متوجها الى الانحجاز، و لم تکن الحال توجب الستدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله (صلى الله علیه و آله) بأبى بکر للغار للعلة التى شرحناها.
و انما أبات علیا على فراشه لما لم یکن لیکترث (أى یهتم) به، و لم یحفل به لاستثقاله، و لعلمه بأنه ان قتل لم یتعذر علیه نصب غیره مکانه، للخطوب التى کان یصلح لها!!
قال سعد: فاختلست علیه أجوبة شتى، فما زال یقصد کل واحد منها بالنقض و الرد.
ثم قال: یا سعد! دونکها اخرى، بمثلها تحطم آناف الروافض:
ألستم تزعمون أن الصدیق (یعنى أبابکر) المبرء من دنس الشکوک، و الفاروق (یعنى عمر بن الخطاب) المحامى عن بیضة الاسلام کانا یسران النفاق؟ و استدللتم بلیلة العقبة؟
أخبرنى عن الصدیق و الفاروق أسلما طوعا أو کرها؟
قال سعد: فاختلست لدفع هذه المسألة عنى، خوفا و حذرا من أنى ان أقررت له بطوعهما للاسلام احتج بأن بدء النفاق و نشوه فى القلب لایکون الا عند هبوب روائح القهر و الغلبة، و اظهار البأس الشدید فى حمل المرء على من لیس ینقاد له قلبه نحو قول الله عزوجل: «فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده، و کفرنا بما کنا به مشرکین فلم یک ینفعهم ایمانهم لما رأوا بأسنا» (1).
فان قلت: أسلما کرها کان یقصدنى بالطعن اذ لم یکن – ثمة – سیوف منتضاة کانت تریهم البأس.
و أخیرا قصد سعد دار أحمد بن اسحاق حتى یتعلم منه الجواب لهذه الترهات التى استدل بها ذلک الناصبى.
و کان أحمد بن اسحاق قد خرج نحو مدینة سر من رأى لزیارة الامام العسکرى (علیهالسلام) و التشرف بلقائه، فالتحق به سعد، و رافقه الى سر من رأى، و اخیرا دخل معه على الامام العسکرى (علیهالسلام).
قال سعد: و کان على عاتق أحمد بن اسحاق جراب قد غطاه بکساء طبرى، فیه ستون و مائة صرة من الدنانیر و الدراهم، على کل صرة ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبهت مولانا أبامحمد (العسکرى) – حین غشینا نور وجهه – الا بدرا قد استوفى من لیالیه اربعا بعد عشر، و على فخذه الأیمن غلام یناسب المشترى (اسم کوکب مضىء) فى الخلقة و المنظر، على رأسه فرق بین و فرتین، کأنه ألف بین واوین، و بین یدى مولانا (العسکرى) رمانة ذهبیة، تلمع بدائع نقوشها، وسط غرائب الفصوص المرکبة علیها، قد کان أهداها الیه بعض رؤساء أهل البصرة، و بیده (أى الامام العسکرى) قلم، اذا أراد أن یسطر به على البیاض قبض الغلام على أصابعه، فکان مولانا ید حرج الرمانة بین یدیه، و یشغله بردها، کیلا یصده عن کتبة ما اراد.
فسلمنا علیه، فألطف فى الجواب، و أومى الینا بالجلوس، فلما فرغ من کتبة البیاض الذى کان بیده، أخرج أحمد بن اسحاق جرابه من طى کسائه، فوضعه بین یدیه، فنظر أبومحمد – العسکرى – علیهالسلام الى الغلام (و هو الامام المهدى) و قال له: یا بنى! فض الخاتم عن هدایا شیعتک و موالیک.
فقال (الامام المهدى): یا مولاى! أیجوز أن أمد یدا طاهرة الى هدایا نجسة، و اموال رجسة!؟؟ قد شیب (أى أختلط) أحلها بأحرمها؟
فقال مولاى: یابن اسحاق! استخرج ما فى الجراب، لیمیز ما بین الحلال و الحرام منها؛
فأول صرة بدأ أحمد اخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلة کذا بقم، تشتمل على اثنین و ستین دینارا، فیها ثمن حجرة باعها صاحبها، و کانت ارثا له عن أبیه خمسة و اربعون دینارا، و من أثمان تسعة أثواب، أربعة عشر دینارا، و فیها من اجرة الحوانیت ثلاثة دنانیر؛
فقال مولانا: صدقت یا بنى، دل الرجل على الحرام منها.
فقال: فتش عن دینار، رازى السکة، تاریخه سنة کذا (2)، قد انطمس – من نصف احدى صفحتیه – نقشه، و قراضة آملیة (3) و زنها ربع دینار.
و العلة فى تحریمها: أن صاحب هذه الجملة وزن فى شهر کذا على حائک من جیرانه من الغزل منا و ربع من (4) فأتت على ذلک مدة، قیض (5) انتهاءها لذلک الغزل سارقا فأخبر به الحایک صاحبه (أى صاحب الغزل) فکذبه، و استرد منه بدل ذلک منا و نصف من غزلا أدق مما کان دفعه الیه، و اتخذ منه ثوبا، کان هذا الدینار مع القراضة ثمنه.
فلما فتح (أحمد بن اسحاق) رأس الصرة صادف رقعة فى وسط الدنانیر باسم من أخبر عنه، و بمقدارها على حسب ما قال؛
و استخرج الدینار و القراضة بتلک العلامة.
ثم أخرج (أحمد بن اسحاق) صرة اخرى، فقال الغلام (علیهالسلام): هذه لفلان بن فلان، من محلة کذا، بقم، تشتمل على خمسین دینارا، لا یحل لنا مسها (لمسها خ ل).
قال (الامام العسکرى): و کیف ذاک؟
قال (الامام المهدى): لأنها ثمن حنطة حاف (أى ظلم) صاحبها على أکاره (أى فلاحه) فى المقاسمة؛
و ذلک: انه قبض حصته منها بکیل واف، و کال ما خص الأکار بکیل بخس؛
فقال مولانا: صدقت یا بنى؛
ثم قال: یابن اسحاق! احملها بأجمعها لتردها، أو توصى بردها على اربابها، فلا حاجة لنا فى شىء منها، و ائتنا بثوب العجوز!
قال أحمد: و کان الثوب فى حقیبة لى، فنسیته.
فلما انصرف أحمد بن اسحاق لیأتیه بالثوب نظر الى مولانا أبومحمد (علیهالسلام) فقال: ما جاء بک یا سعد؟
فقلت: شوقنى أحمد بن اسحاق الى لقاء مولانا.
قال: فالمسائل التى أردت أن تسأل عنها؟
قلت: على حالها.
قال: فاسأل قرة عینى (و أومأ الى الغلام) عما بدالک منها.
فقلت له (أى للامام المهدى): مولاى و ابن مولاى! انا روینا عنکم: أن رسول الله (صلى الله علیه و آله) جعل طلاق نسائه بید أمیرالمؤمنین (علیهالسلام) حتى أرسل – یوم الجمل – الى عائشة: «انک قد رهجت (6) على الاسلام و أهله بفتنتک، و أوردت بنیک حیاض الهلاک بجهلک، فان کففت غربک (7) و الا طلقتک».
و نساء رسول الله (صلى الله علیه و آله) قد کان طلاقهن وفاته (8).
فقال (علیهالسلام) لى: و ما الطلاق؟
قلت: تخلیة السبیل.
قال: و اذا کان بوفات رسول الله (صلى الله علیه و آله) خلالهن السبیل، فلم لا یحل لهن الأزواج؟
قلت: لأن الله (تبارک و تعالى) حرم الأزواج علیهن.
قال: کیف و قد خلى الموت سبیلهن؟
قلت: فأخبرنى – یابن مولاى – عن معنى الطلاق الذى فوض رسول الله (صلى الله علیه و آله) حکمه الى أمیرالمؤمنین (علیهالسلام).
قال: ان الله (تبارک و تعالى) عظم شأن نساء النبى (صلى الله علیه و آله) فخصهن بشرف الامهات، فقال رسول الله (صلى الله علیه و آله): «یا أباالحسن ان هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأیتهن عصت الله بعدى بالخروج علیک، فأطلق لها فى الأزواج و أسقطها من شرف امومة المؤمنین».
قلت: فأخبرنى عن الفاحشة المبینة التى اذا أتت بها فى أیام عدتها حل للزوج أن یخرجها؟
قال: الفاحشة المبینة هى السحق (9) دون الزنا، فان المرأة اذا زنت و اقیم علیها الحد لیس لمن أرادها أن یمتنع بعد ذلک من التزویج بها لأجل الحد؛
و اذا سحقت وجب علیها الرجم، و الرجم خزى، و من قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، و من اخزاه فقد أبعده، و من أبعده فلیس لأحد أن یقربه.
قلت: فأخبرنى – یابن رسول الله – عن أمر الله (تبارک و تعالى) لنبیه: موسى (علیهالسلام): «فاخلع نعلیک انک بالواد المقدس طوى) فان فقهاء الفریقین یزعمون انها (أى نعله) کانت من اهاب (أى جلد) المیتة!!
فقال (علیهالسلام): من قال ذلک فقد افترى على موسى (علیهالسلام) و استجهله فى نبوته، لأنه ما خلا الأمر من خطبین (10).
1 – اما أن تکون صلاة موسى (علیهالسلام) فیها جایزة، أو غیر جایزة، فان کان صلاته جایزة جاز له لبسهما فى تلک البقعة، و ان کانت مقدسة مطهرة فلیس بأقدس و أطهر من الصلاة.
2 – و ان کانت صلاته غیر جایزة فیهما فقد أوجب على موسى انه لم یعرف الحلال من الحرام، و علم ما لم تجز فیه الصلاة و ما تجوز، و هذا کفر.
قلت: فأخبرنى یا مولاى عن التأویل فیهما؟
قال: ان موسى (علیهالسلام) ناجى ربه بالواد المقدس، فقال: یا رب انى قد أخلصت لک المحبة منى، و غسلت قلبى عمن سواک، و کان شدید الحب لأهله.
فقال الله (تبارک و تعالى): «اخلع نعلیک» أى انزع حب أهلک من قلبک، ان کانت محبتک لى خالصة، و قلبک من المیل الى من سواى مغسولا.
قلت: فأخبرنى (یابن رسول الله) عن کهیعص؟
قال: هذه الحروف من أنباء الغیب، أطلع الله علیها عبده زکریا (علیهالسلام) ثم قصها على محمد (صلى الله علیه و آله)، و ذلک:
أن زکریا سأل ربه أن یعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط علیه جبرئیل (علیهالسلام) فعلمه ایاها، فکان زکریا اذا ذکر محمدا و علیا و فاطمة و الحسن (علیهمالسلام) سرى عنه و انجلى کربه، و اذا ذکر الحسین (علیهالسلام) خنقته العبرة، و وقعت علیه البهرة (11).
فقال – ذات یوم -: الهى! ما بالى اذا ذکرت أربعا منهم تسلیت بأسمائهم من همومى، و اذا ذکرت الحسین تدمع عینى، و تثور زفرتى؟؟
فأنبأه الله (تعالى) عن قصته، و قال: کهیعص.
فالکاف اسم کربلا، و الهاء: هلاک العترة، و الیاء: یزید (لعنه الله) و هو ظالم الحسین، و العین: عطشه، و الصاد: صبره.
فلما سمع ذلک زکریا (علیهالسلام) لم یفارق مسجده ثلاثة أیام، و منع فیها الناس من الدخول علیه، و أقبل على البکاء و النحیب، و کانت ندبته:
الهى! أتفجع خیر خلقک بولده؟
أتنزل بلوى هذه الرزیة بفنائه؟
الهى! أتلبس علیا و فاطمة ثیاب هذه المصیبة؟
الهى! أتحل کربة هذه الفجیعة بساحتهما؟
ثم کان یقول: الهى! ارزقنى ولدا تقربه عینى على الکبر،… ثم افجعنى به کما تفجع محمدا حبیبک بولده؛
فرزقه الله یحیى (علیهالسلام) و فجعه به، و کان حمل یحیى ستة أشهر، و حمل الحسین (علیهالسلام) کذلک، و له قصة طویلة؛
قلت: فأخبرنى – یا مولاى – عن العلة التى تمنع القوم عن اختیار امام لأنفسهم.
فقال: مصلح أو مفسد؟
قلت: مصلح.
قال: فهل یجوز (أى یمکن) أن تقع خیرتهم على المفسد بعد أن لا یعلم أحد بما یخطر ببال غیره من صلاح أو فساد؟
قلت: بلى.
قال: فهى العلة، أوردها ببرهان یثق به عقلک:
أخبرنى عن الرسل الذین اصطفاهم الله، و انزل الکتب علیهم، و أیدهم بالوحى و العصمة، اذ هم أعلا الامم، و أهدى الى الاختیار منهم، مثل موسى و عیسى (علیهمالسلام) هل یجوز – مع وفور عقلهما، و کمال علمهما، اذا هما بالاختیار – أن تقع خیرتهما على المنافق، و هما یظنان أنه مؤمن؟
قلت: لا.
فقال: ان موسى، کلیم الله مع وفور عقله، و کمال علمه، و نزول الوحى
علیه، اختار من أعیان قومه، و وجوه عسکره لمیقات ربه سبعین رجلا، ممن لا یشک فى ایمانهم و اخلاصهم، فوقعت خیرته على المنافقین؛
قال الله – عزوجل -: «و اختار موسى قومه سبعین رجلا لمیقاتنا… الى قوله: لن نؤمن لک حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم» (12).
فلما وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح، و هو یظن انه الأصلح، علمنا: أن لا اختیار الا لمن یعلم ما تخفى الصدور و تکن الضمائر، و تتصرف علیه السرائر.
و أن لا خطر (اعتبار) لاختیار المهاجرین و الأنصار – بعد وقوع خیرة الأنبیاء على – ذوى الفساد.
ثم قال مولانا – المهدى – (علیهالسلام): یا سعد!
و حین قال خصمک: ان رسول الله (صلى الله علیه و آله) ما أخرج معه مختار هذه الامة (یعنى ابابکر) الى الغار الا علما منه أن الخلافة له من بعده، و أنه هو المقلد امور التأویل، و الملقى الیه أزمة الامة، المعول علیه فى لم الشعث، و سد الخلل و اقامة الحدود، و تسریب الجیوش لفتح بلاد الکفر فکما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، اذ لم یکن حکم الاستتار و التوارى أن یروم الهارب من البشر مساعدة من غیره الى مکان یستخفى فیه. و أنما أبات علیا على فرشه لما لم یکن یکترث له و لا یحفل به، و لاستثقاله ایاه، و علمه بأنه ان قتل لم یتعذر علیه نصب غیره مکانه للخطوب التى کان یصلح لها».
فهلا نقضت علیه دعواه بقولک: الیس قال رسول الله (صلى الله علیه و آله): «الخلافة بعدى ثلاثون سنة» فجعل هذه (المدة) موقوفة على أعمار الأربعة
الذین هم الخلفاء الراشدون فى مذهبکم، و کان لا یجد (أى الناصبى) بدا من قوله: بلى.
فکنت تقول له – حینئذ -: ألیس کما علم رسول الله (صلى الله علیه و آله) أن الخلافة بعده لأبى بکر، علم أنها من بعد أبىبکر لعمر، و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلى؟
فکان (الناصبى) أیضا لا یجد بدا من – قولک له – نعم.
ثم کنت تقول له: فکان الواجب على رسول الله (صلى الله علیه و آله) أن یخرجهم جمیعا على الترتیب الى الغار، و یشفق علیهم کما اشفق على أبىبکر، و لا یستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بترکه ایاهم، و تخصیصه أبابکر باخراجه مع نفسه دونهم؟؟
و لما قال (الناصبى): أخبرنى عن الصدیق و الفاروق: أسلما طوعا أو کرها لم لم تقل له: بل أسلما طمعا، لأنهما کانا یجالسان الیهود، و یستخبرانهم عما کانوا یجدون فى التوراة، و سایر الکتب المتقدمة، الناطقة بالملاحم، من حال الى حال، من قصة محمد (صلى الله علیه و آله)، و من عواقب أمره؛
فکانت الیهود تذکر أن محمدا (صلى الله علیه و آله) یسلط على العرب، کما کان بخت النصر مسلطا على بنىاسرائیل، و لابد له من الظفر بالعرب، کما ظفر بخت النصر ببنى اسرائیل، غیر انه کاذب فى دعواه.
فأتیا محمدا (صلى الله علیه و آله) فساعداه على شهادة ان لا اله الا الله، و بایعاه طمعا فى أن ینال کل واحد منهما من جهته ولایة بلد، اذا استقامت اموره، و استتبت أحواله، فلما أیسا من ذلک تلثما، و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقین على أن یقتلوه، فدفع الله کیدهم، و ردهم بغیظهم لم ینالوا خیرا؛
کما أتى طلحة و الزبیر علیا (علیهالسلام) فبایعاه، و طمع کل واحد منهما أن ینال من جهته ولایة، فلما أیسا نکثا بیعته، و خرجا علیه، فصرع الله کل واحد منهما مصرع أشباههما من الناکثین؛
قال (سعد): ثم قام مولانا الحسن بن على الهادى (علیهالسلام) الى الصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، و طلبت أثر أحمد بن اسحاق، فاستقبلنى باکیا، فقلت: ما أبطأک؟
قال: فقدت الثوب الذى سألنى مولاى احضاره.
فقلت: لا علیک، فأخبره.
فدخل علیه، و انصرف من عنده مبتسما و هو یصلى على محمد و آله.
فقلت: ما الخبر؟
قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمى مولانا، یصلى علیه.
قال سعد: فحمدنا الله (جل ذکره) على ذلک، و جعلنا نختلف بعد ذلک الى منزل مولانا أیاما، و الغلام (الامام المهدى) بین یدیه.
فلما کان یوم الوداع دخلت انا و (رجلان) کهلان من أرضنا، و انتصب أحمد بن اسحاق بین یدیه قائما، و قال: یابن رسول الله! قد دنت الرحلة، و اشتدت المحنة، و نحن نسأل الله أن یصلى على المصطفى جدک، و على المرتضى أبیک، و على سیدة النساء امک، و على سیدى شباب أهل الجنة: عمک و أبیک، و على الأئمة الطاهرین من بعدهما: أبائک، و أن یصلى علیک و على ولدک؛
و نرغب الى الله أن یعلى کعبک (13) و یکبت عدوک، و لا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائک.
قال (سعد): فلما قال (أحمد بن اسحاق) هذه الکلمات، استعبر مولانا (علیهالسلام) حتى استهلت دموعه و تقاطرت عبراته، ثم قال: یابن اسحاق! لا تکلف فى دعائک شططا فانک ملاقى الله فى صدرک (14) هذا.
فخر أحمد مغشیا، فلما افاق قال: سألتک بالله، و بحرمة جدک الا شرفتنى بخرقة أجعلها کفنا.
فأدخل مولانا (علیهالسلام) یده تحت البساط، فأخرج ثلاثة عشر
درهما، فقال: خذها، و لا تنفق على نفسک غیرها، فانک لم تعدم ما سألت (أى الکفن) فان الله تبارک و تعالى لا یضیع أجر من أحسن عملا؛
قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (علیهالسلام) من حلوان على ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن اسحاق (أى أصابته الحمى)، و صارت علیه علة متعبة ایس من حیاته فیها.
فلما وردنا حلوان، و نزلنا فى بعض الخانات دعى أحمد بن اسحاق برجل من أهل بلده، کان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عنى هذه اللیلة، و اترکونى وحدى.
فانصرفنا عنه، و رجع کل واحد منا الى مرقده، فلما حال أن ینکشف اللیل عن الصبح، أصابتنى فکرة، و فتحت عینى فاذا أنا بکافور الخادم: خادم مولانا أبىمحمد (علیهالسلام) و هو یقول: أحسن الله بالخیر عزاءکم، و جبر بالمحبوب رزیتکم!
قد فرغنا من غسل صاحبکم و تکفینه، فقوموا لدفنه، فانه من أکرمکم محلا عند سیدکم.
ثم غاب عن أعیینا، فاجتمعنا على رأسه (أى عند جثمان أحمد) بالبکاء و العویل، حتى قضینا حقه، و فرغنا من أمره (15).
أقول: هذا الحدیث ذکرناه بطوله، مع تلخیص بعض مواضعه، و انت ترى انه لا یوجد فیه ما یناقض العقل أو النقل، أو الکتاب أو السنة.
و اما المواضع التى اعتبرها بعض الأعلام من نقاط الضعف فى هذا الحدیث فهى کما یلى:
1 – ان الامام العسکرى (علیهالسلام) کان ید حرج الرمانة الذهبیة على الأرض حتى یلعب به الامام المهدى (علیهالسلام) لأنه کان یمسک على القلم فى ید والده، و یمنعه عن کتابة الکتاب، بینما نرى الامام المهدى (علیهالسلام)
یخبر أحمد بن اسحاق عن الأموال التى جاء بها و غیر ذلک من الامور المذکورة فى الحدیث، و هذا – و لا شک – اخبار بالمغیبات، فکیف ینسجم اللعب بالرمانة مع علم الامام و مقام الامامة؟
هذه احدى نقاط الضعف فى هذا الحدیث، مع العلم أن أمثال هذه الامور توجد فى حیاة الأئمة (علیهمالسلام) کثیرة جدا.
فقد وردت أحادیث کثیرة فى کتب الفریقین ان الامام الحسن أو الامام الحسین (علیهماالسلام) کان یرکب ظهر رسول الله (صلى الله علیه و آله) و هو ساجد فى حال الصلاة، فکان رسول الله یطیل سجوده حتى ینزل عن ظهره.
و هکذا وردت أحادیث کثیرة ان الامام الحسین (علیهالسلام) بال فى حجر رسول الله (صلى الله علیه و آله) و هو رضیع.
مع العلم أن رسول الله (صلى الله علیه و آله) قال فى حقهما: «الحسن و الحسین امامان، قاما أو قعدا» و قال (صلى الله علیه و آله): «ألا: ان الحسین مصباح الهدى و سفینة النجاة» و قد احضرهما رسول الله معه حین المباهلة مع النصارى، و هکذا نزلت آیة التطهیر فى حقهما فهل تنسجم تلک الأعمال مع مقام الامام و الامامة؟
و مما لا شک فیه أن للأئمة الطاهرین (علیهمالسلام) حالات فى أیام صغرهم و أیاهم کبرهم، فقد تکون حالاتهم طبیعیة، عادیة کسائر الناس، فیتجاهلون تجاهل العارف، و کأنهم لا یعلمون من الامور سوى الظاهر.
و قد تکون حالاتهم غیر عادیة، کاخبارهم عن المغیبات، و اجابتهم عن الأحکام الشرعیة و هم فى سن الطفولة، و الأمثلة کثیرة، ولو اردنا ذکر بعضها لطال الکلام و خرج الکتاب عن اسلوبه.
النقطة الثانیة من نقاط الضعف فى هذا الحدیث هى وفاة أحمد بن اسحاق فى حلوان و فى زمن الامام العسکرى (علیهالسلام) مع العلم أن فى بعض الأحادیث أن أحمد بن اسحاق مات سنة مائتین و ثمانین من الهجرة، أى
عشرین سنة بعد وفاة الامام العسکرى (علیهالسلام) و قیل: أکثر. و لم یمت فى حیاة الامام العسکرى (علیهالسلام).
و یمکن أن نجیب على هذا ان محمد بن جریر الطبرى الامامى ذکر فى (دلائل الامامة) هذا الخبر بسنده عن أبىالقاسم عبدالباقى بن یزداد بن عبدالله البزاز، قال: حدثنا أبومحمد عبدالله بن محمد الثعالبى – قراءة – فى یوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعین و ثلاثمائة، قال: أخبرنا أبوعلى: أحمد بن محمد بن یحیى العطار، عن سعد بن عبدالله بن خلف القمى: قال…
و لا یوجد فى آخره تودیع سعد بن عبدالله مع الامام العسکرى (علیهالسلام) و وفاته فى تلک السنة فى حلوان، و انما آخر الحدیث هکذا:
«و جعلنا نختلف الى مولانا أیاما، فلا نرى الغلام (علیهالسلام) (16).
هذا، و قد ذکر المرحوم المامقانى فى ترجمة سعد بن عبدالله، ردودا کثیرة على الأقوال التى تضعف هذا الخبر، و الله العالم.
النقطة الثالثة: ضعف السند، و هذا الضعف ینجبر بذکر الشیخ الصدوق لهذا الحدیث فى کتابه: (اکمال الدین).
ثم ان هناک أحادیث کثیرة، رواتها ضعفاء، أو متهمون بالغلو أو ماشابه ذلک ولکن أحادیثهم مقبولة عند الأصحاب کالأحادیث المرویة من ابن أبىحمزة البطائنى، و الشلمغانى، و بنىفضال، و أمثالهم مما یطول الکلام بذکرهم، فلیکن هذا الحدیث – من ناحیة السند – کالأحادیث الصحیحة المرویة عن بعض الغلاة.
ذکرت هذه التعلیقة على هذا الحدیث بصورة موجزة، مع العلم أن الحدیث یتطلب المزید من الشرح لرد نقاط الضعف المتصورة فى هذا الحدیث، و فى هذا المقدار کفایة.
1) سورة غافر 40: 84.
2) رازى: منسوب الى الرى، أى الدینار المسکوک فى الرى، و علیه تاریخه سنة کذا.
3) المقصود من القراضة – هنا -: قطعة من المسکوک فى آمل، بلدة فى مازندران.
4) المن: من الأوزان المتعارفة فى ذلک الزمان، یستعمل هذا الوزن فى زماننا فى بعض البلاد.
5) قیض الله له کذا أى قدر له ان سارقا سرق ذلک الغزل.
6) رهجت: شغبت.
7) غرب اللسان: حدته.
8) هذا کلام سعد بن عبدالله.
9) السحق: المساحقة و هى ان تدلک المرأة فرجها بفرج امرأة اخرى.
10) أى حکم لبس النعل واحد من اثنین: اما جایز و اما غیر جایز.
11) البهرة: تتابع النفس.
12) أقول: هذه الآیة بهذه الکیفیة لا توجد فى القرآن و انما صدر الآیة مذکورة فى سورة الأعراف آیة 155، و آخرها فى سورة النساء آیة 153، و بناء على صحة الخبر فاما أن جمع الامام المهدى (علیهالسلام) بین الآیتین من السورتین، و اما حصلت الزیادة من الراوى أو النساخ و الله العالم.
13) معناه: الشرف و الرفعة.
14) صدرک: رجوعک.
15) اکمال الدین / 454 باب 43 حدیث 21.
16) دلائل الامامة / 274 – 281.