کان الامام العسکرى (علیهالسلام) بالرغم من الضغط و الکبت و الاضطهداد الذى کان یعانیه و بالرغم من الرقابة المشددة على بیته و على حرکاته و سکناته و على من یدخل و یخرج، و على من له صلة بالامام، بالرغم من هذه الامور کلها،کان ینتهز الفرص لیؤدى بعض ما یلزم فى حدود القدرة و الامکان؛
فتارة کان یجیب السائل على سؤاله شفویا، و تارة کان یجیب على الرسائل الموجهة الیه من شیعته أو غیرهم، و تارة کان یکتب بعض الرسائل حول القضایا الشرعیة و الامور العقائدیة و غیرها.
و قد ذکرنا – فیما مضى – ما ظفرنا به من الأخبار و الأحادیث حول هذه المواضیع، فى تراجم أصحابه، مما یدل على اهتمام الامام العسکرى بامور شیعته فى شتى الجوانب.
و نجعل ختام هذا الفصل بذکر بعض رسائل الامام و کلماته المفصلة منها و القصار؛
و قد ذکرنا فى کل من کتاب الامام الجواد و الامام الهادى (علیهماالسلام) کلمة حول الکلمات القصار المرویة عن النبى (صلى الله علیه و آله) و الأئمة الطاهرین، و لا داعى للتکرار، و انما نجلب انتباه القارىء الذکى ان هذه
الکلمات أحسن تعالیم للحیاة الدنیویة و الدینیة و الاخرویة، و کلها حکم و مواعظ و نصائح تعالج جمیع مشاکل الحیاة، الفردیة و الاجتماعیة:
و کتب أبومحمد (علیهالسلام) الى أهل قم و آبة: (1).
ان الله تعالى – بجوده و رأفته – قد من على عباده بنبیه: محمد (صلى الله علیه و آله) بشیرا و نذیرا، و وفقکم لقبول دینه، و أکرمکم بهدایته، و غرس فى قلوب أسلافکم الماضین (رحمة الله علیهم) و أصلابکم الباقین (تولى الله کفایتهم، و عمرهم طویلا فى طاعته) حب العترة الهادیة، فمضى من مضى على و تیرة (2) الصواب، و منهاج الصدق، و سبیل الرشاد، فوردوا موارد الفائزین، و اجتنوا ثمرات ما قدموا و وجدوا غب (3) ما أسلفوا؛
و منها: فلم تزل نیتنا مستحکمة، و نفوسنا الى طیب آرائکم ساکنة، و القرابة الراسخة، بیننا و بینکم قویة، وصیة أوصى بها أسلافنا و أسلافکم، و عهد عهد الى شبابنا و مشایخکم، فلم یزل على جملة کاملة من الاعتقاد، لما جمعنا الله علیه من الحال القریبة، و الرحم الماسة، یقول العالم (سلام الله علیه) اذ یقول: «المؤمن أخو المؤمن لامه و أبیه» (4).
و قال (علیهالسلام) – لشیعته – فى سنة ستین و مائتین -:
«أمرناکم بالتختم بالیمین، و نحن بین ظهرانیکم، و الآن نأمرکم بالتختم بالشمال لغیبتنا عنکم، الى أن یظهر الله أمرنا و أمرکم؛
فانه من أدل دلیل علیکم فى ولایتنا – أهل البیت -».
فخلعوا خواتیمهم من أیمانهم بین یدیه، و لبسوها فى شمائلهم، و قال (علیهالسلام) – لهم -: «حدثوا بهذا شیعتنا» (5).
أقول: کان التختم بالید الیمنى من السنة النبویة، و استمر الأمر على هذا المنوال الى یوم تحکیم الحکمین فى صفین!!
فان عمرو بن العاصى الذى کان یمثل معاویة بن أبىسفیان، و أباموسى الأشعرى الذى فرضه الأشعث بن قیس – و أصحابه المنافقون لیکون ممثلا عن الامام أمیرالمؤمنین على بن أبىطالب (علیهالسلام) – قررا خلع معاویة و الامام أمیرالمؤمنین حتى یختار الناس لأنفسهم خلیفة حسب رغبتهم.
و تقدم أبوموسى الأشعرى و خلع الامام علیا – حسب زعمه – عن الخلافة، ثم تقدم ابنالعاصى و قال:
«ان أباموسى خلع صاحبه، ولکننى اثبت صاحبى [معاویة] على الخلافة».
و نزع الخاتم من یده الیمنى، و تختم بیده الیسرى؛
فصار التختم بالید الیسرى سنة أمویة.
و أما الشیعة فلم یعبأوا بهذا التلاعب، فکانوا یتختمون بالید الیمنى عملا بالسنة النبویة.
فصار التختم بالید الیمنى شعارا و علامة فارقة للشیعة، و التختم بالید الیسرى شعارا لغیرهم و الى یومنا هذا لا یزال الطرفان ملتزمین بذلک.
و بناء على هذا الخبر: أمر الامام العسکرى (علیهالسلام) – فى أواخر أیام حیاته – شیعته أن یترکوا هذا الشعار و العلامة حتى لا یعرفوا بها، خوفا من السلطات التى کانت تطارد الشیعة فى عصور الأئمة الطاهرین، فکیف بعد وفاة الامام العسکرى (علیهالسلام)؟
حیث أصبح الشیعة بلا ملاذ و لا معاذ، لأنهم کانوا فى عصر الغیبة الصغرى، التى اشتدت المحنة، و عظم البلاء، حیث لم یکن الطریق مفتوحا لهم للتوصل و التشرف عند الامام المهدى (علیهالسلام) الغائب عن الأبصار.
و قال (علیهالسلام) – لشیعته -:
«اوصیکم بتقوى الله، و الورع فى دینکم، و الاجتهاد لله، و صدق الحدیث، و أداء الأمانة الى من ائتمنکم من بر و فاجر، و طول السجود و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله علیه و آله).
صلوا فى عشائرهم، و اشهدوا جنائزهم، و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم (6).
فان الرجل منکم اذا ورع فى دینه، و صدق فى حدیثه، و أدى الأمانة، و حسن خلقه مع الناس قیل: «هذا شیعى» فیسرنى ذلک.
اتقوا الله، و کونوا زینا، و لا تکونوا شینا، جروا الینا کل مودة، و ادفعوا عنا کل قبیح، فانه ما قیل فینا من حسن فنحن أهله، و ما قیل فینا من سوء فما نحن کذلک؛
لنا حق فى کتاب الله، و قرابة من رسول الله، و تطهیر من الله، و لا یدعیه أحد – غیرنا – الا کذاب.
أکثروا ذکر الله، و ذکر الموت، و تلاوة القرآن، و الصلاة على النبى (صلى الله علیه و آله) فان الصلاة على رسول الله: عشر حسنات.
احفظوا ما وصیتکم به، و استودعکم الله، و أقرأ علیکم السلام» (5).
روى الشیخ الطوسى فى (التهذیب) و الشیخ المفید فى (المقنعة) و الشیخ الحر، فى (الوسائل): روى عن أبىمحمد الحسن بن على العسکرى (علیهماالسلام) أنه قال:
«من زار جعفرا [الصادق] و أباه (و آباءه خ ل) لم یشتک عینه، و لم یصبه سقم، و لم یمت مبتلى» (7).
و فى (التهذیب) أیضا: روى عن أبىمحمد العسکرى (علیهالسلام) انه قال:
«علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسین، و زیارة الأربعین، و التختم فى الیمین، و تعفیر الجبین، و الجهر ببسم الله الرحمن الرحین». (8).
و فى (مصباح المتهجد): فروى عن أبىمحمد العسکرى (علیهالسلام) انه قال:
«علامات المؤمن (المؤمنین خ ل) خمس: صلاة الاحدى و الخمسین، و زیارة الأربعین، و التختم فى أ (با) لیمین، و تعفیر الجبین، و الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم».
اقول: المقصود من صلاة احدى و خمسین: الفرائض الخمس، و النوافل، و من زیارة الأربعین: زیارة مرقد الامام الحسین ابن الامام على بن أبىطالب (علیهماالسلام) فى الیوم العشرین من شهر صفر المعروف بیوم الأربعین و المقصود من تعفیر الجبین السجود على التراب، و المقصود من الجهر (ببسم الله الرحمن الرحیم) فى الصلاة الجهریة و الاخفاتیة.
و خرج فى بعض توقیعاته (علیهالسلام) عند اختلاف قوم من شیعته فى أمره:
«ما منى [ابتلى] أحد من آبائى بمثل ما منیت به من شک هذه العصابة فى، فان کان هذا الأمر أمرا اعتقدتموه، و دنتم به الى وقت، ثم ینقطع، فللشک موضع، و ان کان متصلا ما اتصلت امور الله فما معنى هذا الشک؟» (9).
و فى (اکمال الدین) بسنده عن أحمد بن اسحاق قال: خرج عن أبىمحمد (علیهالسلام) الى بعض رجاله فى عرض کلام له: «مامنى أحد من آبائى… الخ» (10).
البحار – المحتضر للحسن بن سلیمان: روى أنه وجد بخط مولانا
أبىمحمد العسکرى (علیهالسلام):
«أعوذ بالله من قوم حذفوا محکمات الکتاب، و نسوا الله رب الأرباب، و النبى و ساقى – الکوثر فى مواقف الحساب، و لظى و الطامة الکبرى، و نعیم دار الثواب؛
فنحن السنام الأعظم، و فینا النبوة و الولایة و الکرم، و نحن منار الهدى، و العروة الوثقى و الأنبیاء کانوا یقتبسون من أنوارنا، و یقتفون آثارنا؛
و سیظهر حجة الله على الخلق بالسیف المسلول لاظهار الحق.
و هذا خط الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسین بن على أمیرالمؤمنین».
و روى أنه وجد أیضا بخطه (علیهالسلام) ما صورته:
«قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة و الولایة، و نورنا سبع طبقات أعلام الفتوى (الفتوة) بالهدایة (و الهدایة خ ل) فنحن لیوث الوغى، و غیوث الندى، و طعان العدى، و فینا السیف و القلم فى العاجل، و لواء الحمد و الحوض فى الآجل، و أسباطنا حلفاء الدین، و خلفاء النبیین، و مصابیح الامم، و مفاتیح الکرم:
فالکلیم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، و روح القدس فى جنان الصاغورة (الصاقورة) (11) ذاق من حدائقنا الباکورة، و شیعتنا: الفئة الناجیة، و الفرقة الزاکیة صاروا لنا ردأ و صونا، و على الظلمة البا (12) و عونا، و سینفجر (13) لهم ینابیع الحیوان بعد لظى النیران، لتمام آل حم و طه و الطواسین؛
و هذا الکتاب درة من درر الرحمة (14) و قطرة من بحر الحکمة؛
و کتب الحسن بن على العسکرى، فى سنة اربع و خمسین و مائتین» (15).
1) آبة بلدة تبعد عن ساوة خمس کیلومترات، و ساوة تبعد عن قم عشرة فراسخ.
2) الوتیرة: الطریقة.
3) الغب – بکسر الغین -: العاقبة.
4) مناقب ابنشهراشوب ج 4 / 425.
5) تحف العقول / 362.
6) و فى نسخة: عشائرکم، جنائزکم، مرضاکم، حقوقکم.
7) التهذیب ج 6 / 78 حدیث 154، (المقنعة) / 474.
8) التهذیب ج 6 / 52 حدیث 122، (اقبال القلوب) / 588.
9) تحف العقول / 361.
10) اکمال الدین / 222 باب 22 حدیث 10.
11) الصاقورة: السماء الثالثة / اقرب الموارد.
12) الالب: القوم تجمعهم عداوة واحدة.
13) و فى نسخة: «و سیسفر لنا».
14) و فى نسخة: من جبل الرحمة.
15) البحار ج 26 / 265.