و قال المتوکل لابن السکیت سل ابنالرضا مسألة عوصاء بحضرتى، فقال: لم بعث الله موسى بالعصا و بعث عیسى علیهالسلام بابراء الأکمه و الأبرص و احیاء الموتى و بعث محمد بالقرآن و السیف؟
فقال أبوالحسن علیهالسلام، بعث الله موسى علیهالسلام بالعصا والید البیضاء فى زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلک ما قهر، سحرهم و بهرهم، و أثبت الحجة علیهم، و بعث علیهالسلام بابراء الأکمه و الأبرص و احیاء الموتى باذن الله فى زمان الغالب على أهله الطب، فأتاهم من ابراء الأکمه و الأبرص و احیاء الموتى باذن الله فقهرهم و بهرهم. و بعث محمد بالقرآن و السیف فى زمان الغالب على أهله السیف الشعر، فأتاهم من القرآن و السیف ما بهر به شعرهم و بهر سیفهم و أثبت الحجة به علیهم.
فقال ابنالسکیت: فما الحجة الآن؟
قال: العقل یعرف به الکاذب على الله فیکذب.
فقال یحیى بن اکثم: ما لابن السکیت و مناظرته؟ و انما هو صاحب نحو و شعر و لغة. و رفع قرطاسا فیه مسائل، فأملا على بن محمد علیهالسلام على ابنالسکیت جوابها و أمره أن یکتب:
سألت عن قول الله تعالى قال: «الذى عنده علم من الکتاب» فهو آصف بن برخیالم یعجز سلیمان عن معرفة ما عرف آصف، و لکنه أحب أن یعرف امته من الجن الانس أنه الحجة من بعده، و ذلک من علم سلیمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلک، لئلا یختلف فى امامته و ولایته من بعده، و لتأکید الحجة على الخلق.
و أما سجود یعقوب لولده، فان السجود لم یکن لیوسف و انما کان ذلک من یعقوب و ولده طاعة لله تعالى و تحیة لیوسف علیهماالسلام، کما أن السجود من الملائکة لم یکن لآدم علیهالسلام.
فسجود یعقوب و ولده و یوسف معهم شکرا لله تعالى باجتماع الشمل ألم تر أنه یقول فى شکره فى ذلک الوقت: رب قد آتیتنى من الملک.(1)
و أما قوله: فأن کنت فى شک مما أنزلنا الیک فاسأل الذین یقرؤن الکتاب،(2) فان المخاطب بذلک رسول الله صلى اله علیه و آله و لم یکن فى شک مما أنزل الله الیه، و لکن قالت الجهلة: کیف لم یبعث الله نبیا من الملائکة و لم یفرق بینه و بین الناس فى الاستغناء عن المأکل و المشرب فى الأسواق، فأوحى الله الى نبیه صلى الله علیه و آله. فاسأل الذین یقرؤن الکتاب(2) بمحضر من الجهلة هل بعث الله نبیا قبلک الا و هو یأکل الطعام و یشرب الشراب و لک بهم اسوة یا محمد.
و انما قال: فان کنت فى شک و لم یکن للنصفة کما قال: تعالوا ندع أبناءنا
و أبناءکم(3) و لو قال نبتهل فنجعل لعنة الله علیکم لم یکونوا بجیبوا الى المباهلة، و قد علم الله أن نبیه مؤد عنه رسالته و ما هو من الکاذبین و کذلک عرف النبى صلى الله علیه و آله بأنه صادق فیما یقول و لکن أحب أن ینصف من نفسه.
و أما قوله: و لو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام(4) فهو کذلک لو أن أشجار الدنیا أقلام و البحر مداد یمد سبعة أبحر حتى انفجرت الأرض عیونا کما انفجرت فى الطوفان، ما نفذت کلمات الله و هى عین الکبریت و عین الیمن و عین برهوت و عین طبریة و حمة ما سیدان تدعى لسان و حمة افریقیة تدعى بسیلان، و عین با حوران، و نحن الکلمات التى لا تدرک فضائلنا و لا تستقضى.
و أما الجنة ففیها من المأکل و المشارب و الملاهى و ما تشتهیه الأنفس و تلذ الأعین أباح الله ذلک لآدم و الشجرة التى نهى الله آدم عنها و زوجته أن لا یأکلا منها شجرة الحسد، عهد الله الیهما أن لا ینظر الى من فضل الله علیهما و على خلائقه بعین الحسد، فنسى و لم نجد له عزما(5)
و أما قوله أو یزوجهم ذکرانا و اناثا(6)، فان الله تعالى زوج الذکران المطیعین و معاذ الله أن یکون الجلیل العظیم عنى ما لبست على نفسک بطلب الرخص لارتکاب المحارم و من یفعل ذلک یلق اثاما، یضاعف له العذاب یوم القیامة و یخلد فیه مهانا ان لم یتب.
فأما شهادة امرأة وحدها التى جازت فهى القابلة جازت شهادتها مع الرضا، فان لم یکن رضا فلا أقل من امرأتین تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لأن
الرجل لا یمکنه أن یقوم مقامها، فان کان وحدها قبل قولها مع یمینها.
و أما قول على علیهالسلام فى الخنثى فهو کمال قال: یرث من المبال و ینظر الیه قوم عدول یأخذ کل واحد منهم مرءاتا و تقوم الخنثى خلفهم عریانه و ینظرون الى المرآة الشئ و یحکمون علیه.
و أما الرجل الناظر الى الراعى و قد نزا على شاة، فان عرفها ذبحها و أحرقها و ان لم یعرفها قسمها الامام الى نصفین و ساهم بینهما، فان وقع السهم على أحد القسمین فقد انقسم النصف الآخر ثم یفرق الذى وقع علیه، الیهم السهم نصفین فیقرع بینهما، فلا یزال کذلک حتى یبقى اثنان فیقرع بینهما فأیهما وقع السهم علیها ذبحت و أحرقت، و قد نجى سائرها و سهم الامام سهم الله لا یخیب.
و أما صلاة الفجر و الجهر فیها بالقراءة لأن النبى کان یغلس بها فقراءتها من اللیل.
و أما قول أمیرالمؤمنین: بشر قاتل ابنصفیة بالنار لقول رسول الله و کان ممن خرج یوم النهروان فلم یقتله أمیرالمؤمنین علیهالسلام بالبصرة لأنه علم أنه یقتل فى فتنه النهروان.
و أما قولک: ان علیا قاتل أهل صفین مقبلین و مدبرین و أجهز على جریحهم و أنه یوم الجمل لم یتبع مولیا و لم یجهز على جریحهم و کل من ألقى سیفه و سلاحه آمنه، فان أهل الجمل قتل امامهم و لم یکن لهم فئة یرجعون الیها و انما رجع القوم الى منازلهم غیر محاربین و لا محتالین و لا متجسسین و لا مبارزین، فقد رضوا بالکف عنهم، فکان الحکم فیه رفع السیف و الکف عنهم اذ لم یطلبوا علیه أعوانا.
و أهل صفین یرجعون الى فئة مستعدة و امام منتصب، یجمع لهم السلاح من الرماح و الدروع و السیوف، و یستعد لهم یسنى لهم العطاء و یهیئ لهم الأموال و یعقب مریضهم و یجبر کسیرهم و یداوى جریحهم و یحمل راجلهم و یکسوا
حاسرهم، و یردهم فیرجعون الى محاربتهم و قتالهم.
فان الحکم فى أهل البصرة الکف عنهم، لما ألقوا أسلحتهم، اذ لم تکن لهم فئه یرجعون الیها، و الحکم فى أهل صفین أن یتبع مدبرهم، و یجهز على جریحهم فلا یساوى بین الفریقین فى الحکم. و لو لا أمیرالمؤمنین علیهالسلام و حکمه فى أهل صفین و الجمل، لما عرف الحکم فى عصاة أهل التوحید، فمن أبى ذلک عرض على السیف، و أما الرجل الذى أقر باللواط فانه أقر بذلک متبرعا من نفسه و لم تقم علیه بینه و لا أخذه سلطان و اذا کان للامام الذى من الله أن یعاقب فى الله، فله أن یعفو فى الله، أما سمعت الله یقول لسلیمان، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسک بغیر حساب،(7) فبدأ بالمن قبل المنع. فلما قرآه ابنأکثم قال للمتوکل: ما نحب ان تسأل هذا الرجل عن شئ بعد مسائلى فانه لا یرد علیه شئ بعدها الا دونه، و فى ظهور علمه تقویة للرافضة.(8)
1) سورة یوسف، الایة 101.
2) سورة یونس، الایة 94.
3) سورة آل عمران، الایة 61.
4) سورة لقمان، الایة 27.
5) سورة طه، الایة 115.
6) سورة الشورى، الایة 50.
7) سورة ص، الایة 39.
8) بحارالأنوار، ج 50، ص 164، مناقب آل أبىطالب، ج 4، ص 403.