إن حادثة إشخاص الإمام (علیه السلام) من قبل المتوکل من المدینة إلى سامراء وإیکال ذلک الامر إلى یحیى بن هرثمة، وما نقله یحیى هذا عن حالة اهل المدینة المنورة، وما انتابهم وما أحدثوا من ضجیج واضطراب لإبعاد الإمام(علیه السلام) عنهم یصوّر لنا مدى تأثر أهل المدینة بأخلاقیة الإمام(علیه السلام) المثلى وحسن سلوکه وتعامله معهم وشدة اندماجه فی حیاتهم، ولا غرو فهو سلیل دوحة النبوة وثمرة شجرة الإمامة التی هی فرع النبوة، فالإمام هو حجة الله سبحانه على خلقه وهو المثل والقدوة التی یقتدى بها وهو القیم والحافظ لرسالة الاسلام.
وهذا عبید الله بن خاقان المعاصر للإمام الحسن العسکری(علیه السلام) کان یصف الإمام الهادی لرجل قائلاً له:
لو رأیت أباه ـ ای الإمام الهادی (علیه السلام) ـ لرأیت رجلاً جلیلاً نبیلاً خیّراً فاضلاً(1)
وکان للإمام(علیه السلام) نفوذ فی عمق البلاط بحیث نجد اُمّ المتوکل تبعث بصرّة للإمام(علیه السلام) بعد التوسّل به لتوصیف دواء لداء المتوکل وهو کاشف عن إیمانها بمکانة هذا الإمام عند الله تعالى.
وقد شاع خبره وذاع صیته عند أصحاب البلاط فضلاً عن عامّة الناس،
فی الوقت الذی کان المتوکل قد أحکم الرقابة الدقیقة على تصرّفات الإمام(علیه السلام) وارتباطاته لئلا یتّسع نفوذه وتمتدّ زعامته، بل کان یخطط لسجنه واغتیاله.
وتکفی نظرة سریعة على ما صدر من معاصریه من تصریحات حول مکانته وسمو منزلته لتقف عند الموقع الاجتماعی المتمیز للإمام(علیه السلام) بالرغم من کل محاولات التسقیط(2)
1) کمال الدین للشیخ الصدوق: 1 / 42.
2) راجع الفصل الثانی من الباب الأوّل من هذا الکتاب.