(232 ـ 247 هـ)
هو جعفر بن المعتصم بن الرشید، اُمّه اُم ولد اسمها شجاع. أظهر المیل الى السنّة، ورفع المحنة وکتب بذلک الى الآفاق سنة (234 هـ)، واستقدم المحدّثین الى سامرّاء وأجزل عطایاهم وأمرهم أن یحدّثوا بأحادیث الصفات والرؤیة.
وقالوا عنه: انّه کان منهمکاً فی اللذات والشراب، وکان له أربعة آلاف سُرِّیّة (أمة یتسرّى بها). وقال علی بن الجهم: کان المتوکل مشغوفاً بقبیحة اُم المعتزّ، والتی کانت اُم ولد له، ومن أجل شغفه بها أراد تقدیم ابنها المعتزّ على
ابنه المنتصر بعد أن کان قد بایع له بولایة العهد، وسأل المنتصر أن ینزل عن العهد فأبى، فکان یُحضره مجلس العامّة ویحطّ منزلته ویتهدّده ویشتمه ویتوعّده(1)
وکان المتوکل مسرفاً جداً فی صرف بیت المال على الشعراء الذین یتقرّبون إلیه بالمدیح ـ فی الوقت الذی کان عامة الناس یشتکون الفقر والحاجة ـ حتى قالوا: ما أعطى خلیفة شاعراً ما أعطى المتوکّل، وفیه قال مردان ابن أبی الجنوب:
فامسِک ندى کفّیک عنی ولا تزد++
فقد خفتُ أن أطغى وأن اتجبّرا
فقال المتوکل: لا أمسک حتى یغرقک جودی، وکان قد أجازه على قصیدة بمائة ألف وعشرین ألفاً(1)
ولعلّ من وصف المتوکل بالجود سوف یتراجع عن وصفه إذا سمع أن المتوکّل قال للبحتری: قُل فیّ شعراً وفی الفتح بن خاقان، فإنی أحب أن یحیا معی ولا أفقده فیذهب عیشی ولا یفقدنی، فقل فی هذا المعنى، فقال البحتری:
یا سیّدی کیف أخلفتَ وعدی++
وتثاقلت عن وفاء بعهدی؟
لا أرتنی الأیام فقدک یا فتـ++
ـحُ ولا عَرَّقتْک ما عشتَ فقدی
أعظم الرزء أن تقدّمَ قبلی++
ومن الرزء أن تؤخّر بعدی
حذراً أن تکون إلفاً لغیری++
إذ تفرّدت بالهوى فیک وحدی
وقد قتل المتوکل والفتح بن خاقان فی مجلس لهوهما فی ساعة واحدة وفی جوف اللیل فی الخامس من شوّال سنة (247 هـ) کما سوف
یأتی بیانه.
1) تاریخ الخلفاء: 349 ـ 350.