لقد استعملت السلطة العباسیة للطعن بالأئمة طریقة توجیه الاسئلة المحرجة لهم لتعجیزهم امام الناس و هذا واضح فى حیاة الامام الجواد (ع). و کان المتصدى لهذا الدور و المرشح من قبل السلطة یحیى بن أکثم قاضى القضاة.(1)
و قد مارس هذا الدور مع الامام الهادى فقد وجه مجموعة من الاسئلة المعقدة لموسى بن محمد الجواد بن على الرضا فرد علیها الامام الهادى (ع).
قال موسى بن محمد بن الرضا(2): لقیت یحیى بن اکثم فى دار العامة،
فسألنى عن مسائل، فجئت الى اخى على بن محمد علیهماالسلام فدار بینى و بینه من المواعظ ما حملنى و بصرنى طاعته، فقلت له: جعلت فداک ان ابناکثم کتب یسألنى عن مسائل لأفتیه فیها، فضحک علیهالسلام ثم قال: لا، لم اعرفها، قال علیهالسلام: و ما هى، قلت: کتب یسألنى عن قول الله: قال الذى عنده علم من الکتاب انا آتیک به قبل أن یرتد الیک طرفک. نبى الله کان محتاجا الى علم آصف،. و عن قوله: و رفع ابویه على العرش و خروا له سجدا سورة یوسف آیة 100. سجد یعقوب و ولده لیوسف و هم انبیاء. و عن قوله: فان کنت فى شک مما انزلنا الیک فاسأل الذین یقرؤون الکتاب سورة یونس آیة 94. من المخاطب بالایة، فان کان المخاطب النبى صلى الله علیه و آله و سلم فقد شک. و ان کان المخاطب غیره فعلى من اذن انزل الکتاب، و عن قوله: ولو ان ما فى الارض من شجرة اقلام و البحر یمده من بعده سبعة ابحر مانفدت کلمات الله سورة لقمان آیة 26. ماهذه الابحر و این هى، و عن قوله: و فیها ما تشتهیه الانفس و تلذ الاعین سورة الزخرف آیة 71. فاشتهت نفس ادم علیهالسلام اکل البر فاکل و اطعم (و فیها ما تشتهى الانفس) فکیف عوقب؟. و عن قوله: او یزوجهم ذکرانا و اناثا سورة الشورى آیة 49 یزوج الله عباده الذکران و قد عوقب قسوم فعلوا ذلک، و عن شهادة المرأة جازت وحدها و قد قال الله: و اشهدوا ذوى عدل منکم سورة الطلاق آیة 2، و عن الخنثى و قول على علیهالسلام: یورث من المبال، فمن ینظر اذا بال الیه، مع انه عسى ان یکون امرأة و قد نظر الیها الرجال، او عسى ان یکون رجلا و قد نظرت الیه النساء و هذا مالا یحل. و شهادة الجار الى نفسه لاتقبل، و عن رجل اتى الى قطیع غنم فرأى الراعى ینزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبیلها، فدخلت بین الغنم کیف تذبح و هل یجوز اکلها ام لا، و عن صلاة الفجر لم یجهر فیها بالقراءة و هى من صلاة النهار و انما یجهر فى صلاة اللیل. و عن قول على علیهالسلام لابن جرموز: بشر قاتل ابنصفیة بالنهار(3) فلم یقتله و هو امام، و اخبرنى عن على علیهالسلام لم قتل اهل صفین و أمر بذلک مقبلین و مدبرین و اجاز على الجرحى، و کان حکمه یوم الجمل انه لم یقتل مولیا و لم یجز على جریح و لم یأمر بذلک، و قال من دخل داره فهو امن، و من ألقى سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلک، فان
کان الحکم الاول صوابا فالثانى خطأ. و اخبرنى عن رجل اقر باللواط على نفسه ایحد، ام یدرا عنه الحد؟.
قال علیهالسلام: اکتب الیه، قلت: و ما اکتب، قال: اکتب بسم الله الرحمن الرحیم و انت فالهمک الله الرشد اتانى کتابک فامتحنتنا به من تعنتک لتجد الى الطعن سبیلا ان قصرنا فیها، و الله یکافیک على نیتک و قد شرحنا مسائلک فاضع الیها سمعک و ذلل لها فهمک و اشغل بها قلبک، فقد لزمتک الحجة و السلام.
سألت: عن قول الله جل و عز: قال الذى عنده علم من الکتاب فهو آصف بن برخیا و لم یعجز سلیمان علیهالسلام عن معرفة ما عرف آصف لکنه صلوات الله علیه احب ان یعرف امته من الجن و الانس انه الحجة من بعده، و ذلک من علم سلیمان علیهالسلام اودعه عند اصف بأمر الله، ففهمه ذلک لئلا مختلف علیه فى امامته و دلالته کما فهم سلیمان علیهالسلام فى حیاة داود علیهالسلام لتعرف نبوته و امامته من بعد لتأکد الحجة على الخلق. و اما سجود یعقوب علیهالسلام و ولده کان طاعة لله و محبة لیوسف علیهالسلام کما ان السجود من الملائکة لادم علیهالسلام لم یکن لادم علیهالسلام و انما کان ذلک طاعة لله و محبة منهم لادم علیهالسلام فسجود یعقوب علیهالسلام و ولده یوسف علیهالسلام معهم کان شکرالله باجتماع شملهم، الم تره یقول فى شکره ذلک الوقت: رب قد اتیتنى من الملک و علمتنى من تأویل الاحادیث – الى اخر الایة سورة یوسف آیة 102.
و اما قوله: فان کنت فى شک مما انزلنا الیک فاسأل الذین یقرؤون الکتاب فان المخاطب به رسول الله صلى الله علیه و آله و سلم و لم یکن فى شک مما انزل الیه ولکن قالت الجهلة کیف لم یبعث الله نبیا من الملائکة، اذ لم یفرق بین نبیه و بیننا فى الاستغناء عن المآکل و المشارب و المشى فى الاسواق، فأوحى الله الى نبیه فاسأل الذین یقرؤون الکتاب بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلک الا و هو یأکل الطعام و یمشى فى الاسواق ولک بهم اسوة. و انما قال. فان کنت فى شک و لم یکن شک ولکن للنصفة کما قال. تعالوا ندع ابناءنا و ابناءکم و نساءنا و نساءکم و انفسنا و انفسکم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الکاذبین سورة ال عمران 20 ولو قال. علیکم
لم یجیبوا الى المباهلة، و قد علم الله ان نبیه یؤدى عنه رسالاته و ماهو من الکاذبین، فکذلک عرف النبى انه صادق فیما یقول ولکن احب ان ینصف من نفسه.
و اما قوله ولو أن ما فى الارض من شجرة أقلام و البحر یمده من بعده سبعة ابحر مانفدت کلمات الله فهو کذلک لو ان اشجار الدنیا اقلام و البحر یمده سبعة ابحر و انفجرت الارض عیونا لنفدت قبل ان تنفد کلمات الله و هى عین الکبریت و عین النمر و عین (ال) برهوت و عین طبریة و حمة ما سبندان و حمة افریقیة یدعى لسان(4) و عین بحرون، و نحن کلمات الله لاتنفد و لا تدرک فضائلنا.
و اما الجنة فان فیها من المآکل و المشارب و الملاهى ما تشهتى الانفس و تلذ الاعین و أباح الله ذلک کله لآدم علیهالسلام و الشجرة التى نهى الله عنها آدم علیهالسلام و زوجته ان یأکلا منها شجرة الحسد عهد الیهما ان لا ینظروا الى من فضل الله على خلائقه بعین الحسد فنسى ونظر بعین الحسد و لم یجد له عزما، و اما قوله: او یزوجهم ذکرانا و اناثا اى یولد له ذکور و یولد له اناث، یقال لکل اثنین مقرنین زوجان کل واحد منهما زوج، و معاذ الله ان یکون عنى الجلیل ما لبست به على نفسک تطلب الرخص لارتکاب الماثم و من یفعل ذلک یلق اثاما – یضاعف له العذاب یوم القیامة و یخلد فیها مهانا سورة الفرقان آیة 69، 68 ان لم یتب.
و اما شهادة المرأة وحدها التى جازت فهى القابلة جازت شهادتها مع الرضا، فان لم یکن رضى فلا اقل من امرأتین تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لان الرجل لایمکنه ان یقوم مقامها، فان کانت وحدها قبل قولها مع یمینها.
و اما قول على علیهالسلام فى الخنثى فهى کما قال: ینظر قوم عدول یاخذ کل واحد منهم مرآة و تقوم الخنثى خلفهم عریانة و ینظرون فى المرایا فیرون الشبح فیحکمون علیه.
و اما الرجل الناظر الى الراعى و قد نزا على شاة فان عرفها ذبحها و احرقها. و ان لم یعرفها قسم الغنم نصفین و ساهم بینهما، فاذا وقع على احد النصفین فقد نجا النصف الاخر، ثم یفرق النصف الاخر فلا
یزال کذلک حتى تبقى شاتان فیقرع بینهما فایتها وقع السهم بها ذبحت و احرقت و نجا سائر الغنم.
و أما صلاة الفجر فالجهر فیها بالقراءة، لان النبى صلى الله علیه و سلم کان یغلس بها فقراءتها من اللیل.
و اما قول على علیهالسلام: بشر قاتل ابنصفیة بالنار فهو لقول رسول الله صلى الله علیه و سلم و کان ممن خرج یوم النهروان فلم یقتله امیرالمؤمنین صلى الله علیه و آله و سلم بالبصرة، لانه علم انه یقتل فى فتنة نهروان.
و اما قولک: ان علیا علیهالسلام قتل اهل صفین مقبلین و مدبرین و اجاز على جریحهم و انه یوم الجمل لم یتبع مولیا و لم یجز على جریح و من القى سلاحه آمنه و من دخل داره امنه، فان اهل الجمل قتل امامهم و لم تکن لهم فئة یرجعون الیها و انما رجع القوم الى منازلهم غیر محاربین و لا مخالفین و لا منابذین، رضوا بالکف عنهم، فکان الحکم فیها رفع السیف عنهم و الکف عن اذاهم، اذ کم یطلبوا علیه اعوانا، و اهل صفین کانوا یرجعون الى فئة مستعدة و امام یجمع لهم السلاح الدروع و الرماح و السیوف و یسنى لهم العطاء، یهیىء لهم الانزال و یعود مریضهم و یجبر کسیرهم و یداوى جریحهم و یحمل راجلهم و یکسو حاسرهم و یردهم فیرجعون الى محاربتهم و قتالهم، فلم یساو بین الفریقین فى الحکم لما عرف من الحکم فى قتل اهل التوحید لکنه شرح ذلک لهم، فمن رغب عرض على السیف او یتوب من ذلک.
و اما الرجل الذى اعترف باللواط فانه لم تقم علیه بینة و انما تطوع بالاقرار من نفسه و اذا کان للامام الذى من الله این یعاقب عن الله کان له ان یمن عن الله، اما سمعت قول الله: هذا عطاؤنا الایة قد انبأناک بجمیع ما سألتنا عنه فاعلم ذلک.(5)
1) ذکر ابنالکازرونى فى مختصر التاریخ تحقیق د. مصطفى جواد تحت عنوان قضاة المعتصم ص 141 «و لم یعزل قضاة اخیه المأمون..» و ذکر فى قضاة المأمون ص 137 اسم یحیى بن أکثم.
2) هو ابومحمد موسى المبرقع اخو ابىالحسن الهادى علیهالسلام من طرف الاب و الام کانت أمهما امولد تسمى سمانه المغربیة و کان موسى جد السادات الرضویة، قدم قم سنة 256 و هو اول من انتقل من الکوفة الى قم من السادات الرضویة و کان یسدل على وجهه برقعا دائما و لذلک یسمى بالمبرقع. و اقام بقم حتى مات سنة 266 و دفن فى داره.
3) ابنصفیة هو الزبیر بن العوام المعروف الذى قتله یوم الجمل ابنجرموز و القصة مشهورة مذکورة فى التواریخ.
4) الحمة: بالفتح فالتشدید، العین الحارة التى یستشفى بها الاعلاء المرضى.
5) انظر نص الحدیث فى تحف العقول ص 352. و الاختصاص للمفید ص 88.