جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الامام العسکرى فى وفات والده

زمان مطالعه: 4 دقیقه

فجع الامام العسکرى (علیه‏السلام) بمصیبة وفاة والده: الامام الهادى (علیه‏السلام) و کانت صدمة مؤلمة، و فاجعة عظمى، و کارثة کبرى، و انتهت تلک الحیاة المقدسة مشفوعة بالآلام و الضغط.

و مما زاد فى أبعاد المصیبة، و کانت تأثیرها – على قلب الامام العسکرى – أشد و أوجع هو:

1 – ان الامام الهادى قضى نحبه مسموما.

2 – و خاصة و ان الامام العسکرى لم یستطع أن یخبر أحدا عن سبب وفاة والده نظرا للظروف القاهرة.

و قد ذکرنا بعض ما یتعلق بهذا الموضوع فى کتاب (الامام الهادى من المهد الى اللحد).

و من اللازم أن نذکر – هنا – أیضا، رعایة لاسلوب الکتاب:

قضى الامام الهادى (علیه‏السلام) نحبه مسموما و هو ابن اربعین سنة. أو احدى و اربعین سنة، فى أوائل سن الکهولة، و لم یبلغ من الکبر عتیا.

و من الواضح ان السلطة العباسیة الغاشمة کانت – و هى تقوم بهذه الجرائم و الجنایات – تبذل کل ما فى وسعها فى کتمان الجریمة، و أن تقع فى منتهى السریة، خوفا من نقمة الشعب الموالى للامام، فقد کان فى جهاز الدولة

العباسیة، و حتى فى البلاط العباسى رجال یحملون الولاء لأئمة أهل البیت (علیهم‏السلام) و یتعاطفون معهم، بالرغم من المناصب و الأعمال التى فوضت الیهم، و کان العباسیون یعلمون ذلک، و لا حول لهم و لا قوة، لأنهم ما کانوا یستغنون عن اولئک الرجال، بل کانوا یستعینون بهم فى مهام الدولة، و نظام الحکومة بسبب مواهبهم و کفاءاتهم.

لهذا السبب و لغیره من الأسباب کانت الجنایة تقع فى جو من الکتمان و التقیة مشفوعة بالتهدید الشدید فیما اذا انکشفت المؤامرة و انتشر الخبر!

ألیست هذه مصیبة، ان الانسان یقتل ابوه ظلما و عدوانا، و لا یستطیع الابن أن یتکلم أو یتظلم أو یشکو مصیبته الى أحد؟؟

و لهذا خفیت علینا کیفیة دس السم الى الامام الهادى (علیه‏السلام).

و أما قضایا وفات الامام الهادى (علیه‏السلام):

فى الیوم الثالث من شهر رجب (على المشهور) سنة مائتین و اربع و خمسین من الهجرة فارق الامام الهادى الحیاة مسموما و قد صرح الکثیرون من المؤرخین و المحدثین بذلک، منهم:

1 – المسعودى فى (مروج الذهب): و قیل: انه مات مسموما (1).

2 – الشبلنجى فى (نور الأبصار): یقال: انه مات مسموما (2).

3 – ابن‏الصباغ المالکى فى (الفصول المهمة)… لأنه یقال: انه کان مات مسموما (3).

4 – الطبرى فى (دلائل الامامة)… و فى آخر ملکه [المعتز] استشهد ولى الله… مسموما… الى آخره (4).

و روى الراوندى فى (الخرائج) بسنده عن أبى‏هاشم الجعفرى قال: لما مضى أبوالحسن [الهادى] علیه‏السلام صاحب العسکر، اشتغل أبومحمد:

ابنه بغسله و شأنه، و أسرع بعض الخدم الى أشیاء احتملوها من ثیاب و دراهم و غیرها… الى آخره.

أقول: قد ذکرنا فى کتاب (الامام الجواد من المهد الى اللحد) بحثا حول تغسیل الامام و الصلاة علیه، و أن الامام لا یغسله و لا یصلى علیه الا الامام.

قال المسعودى: حدثنا جماعة، کل واحد منهم یحکى: انه دخل الدار [دار الامام الهادى] یوم وفاته، و قد اجتمع فیها جلة بنى‏هاشم: من الطالبیین، و العباسیین، و اجتمع خلق من الشیعة، و لم یکن ظهر عندهم أمر أبى‏محمد (5) و لا عرف خبره الا الثقات الذین نص أبوالحسن [الهادى] عندهم، علیه؛

فحکوا: أنهم کانوا فى مصیبة و حیرة، فهم فى ذلک – اذ خرج من الدار الداخلة خادم، فصاح بخادم آخر: یا ریاش! خذ هذه الرقعة، و امض بها الى دار أمیرالمؤمنین، و ادفعها الى فلان، و قل له: هذه رقعة الحسن بن على؛

فاستشرف الناس لذلک، ثم فتح – من صدر الرواق – باب، و خرج خادم أسود، ثم خرج – بعده – أبومحمد (علیه‏السلام) حاسرا، مکشوف الرأس، مشقوق الثیاب، و علیه مبطنة (6) بیضاء، و کأن وجهه وجه أبیه (علیه‏السلام) لا یخطى‏ء منه شیئا؛

و کان – فى الدار – أولاد المتوکل، و بعضهم ولاة العهود، فلم یبق أحد الا قام على رجلیه، و وثب الیه أبومحمد [الموفق] فقصده أبومحمد [العسکرى] علیه‏السلام، فعانقه، ثم قال له: مرحبا بابن العم!

و جلس بین بابى الرواق، و الناس کلهم بین یدیه.

و کانت الدار کالسوق بالأحادیث (7) فلما خرج [الحسن العسکرى] أمسک الناس، فما کنا نسمع الا العطسة و السعلة!!

و خرجت جاریة تندب أباالحسن [الهادى] علیه‏السلام، فقال أبومحمد (علیه‏السلام):

«ما ههنا من یکفى مؤنة هذه الجاهلة؟!». (8).

فبادر الشیعة الیها، فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء (9) أبى‏محمد (علیه‏السلام) فنهض (صلى الله علیه) و اخرجت الجنازة، و خرج یمشى حتى اخرج بها الى الشارع الذى بازاء دار موسى بن بغا.

و کان أبومحمد [الحسن] صلى علیه قبل أن یخرج الى الناس، و صلى علیه – لما اخرج – المعتمد، ثم دفن فى دار من دوره؛

و اشتد الحر على أبى‏محمد (علیه‏السلام) و ضغط علیه الناس فى طریقه و منصرفه من الشارع بعد الصلاة علیه، فصار – فى طریقه – الى دکان لبقال، رآه مرشوشا، فسلم و استأذنه فى الجلوس فاذن له و جلس، و وقف الناس حوله.

و خرج – فى تلک العشیة الى الناس – ما کان یجرى عن أبى‏الحسن [الهادى] علیه‏السلام، حتى لم یفقدوا منه الا الشخص؛ (10).

و تکلمت الشیعة فى شق ثیابه، و قال بعضهم (11): أرایتم أحدا من الأئمة شق ثوبه فى مثل هذا الحال؟

فوقع – الى من قال ذلک -: یا أحمق! ما یدریک ما هذا؟ قد شق موسى [بن عمران] على هارون (علیهماالسلام) (12).

فبینا نحن کذلک اذ أتاه شاب حسن الوجه، نظیف الکسوة، على بغلة

شهباء، فنزل عنها و سأله أن یرکبها، فرکبها حتى أتى الدار و نزل؛.

أقول: ربما یتبادر الى الذهن أنه لماذا دفن الامام الهادى فى داره؟ و لماذا لم یدفن فى المقابر العامة کما هى العادة؟

و السبب فى ذلک – على ما ذکره المؤرخون، و منهم الیعقوبى -: أن اجتماع الناس فى دار الامام الهادى و خارجها کان عظیما جدا، و لم تتسع الدار لاقامة الصلاة على جثمان الامام، و لهذا تقرر أن یخرجوا الجثمان الطاهر الى الشارع المعروف بشارع أبى‏أحمد، و هو من أطول شوارع سامراء و أعرضها، حتى یسع المکان لأداء الصلاة.

فلما أخرجوا الجثمان الشریف ارتفعت أصوات الناس بالبکاء و الضجیج؛

و کان أبوأحمد ابن هارون الرشید، المبعوث من قبل المعتز العباسى للصلاة على جثمان الامام، لما رأى اجتماع الناس و ضجتهم أمر برد النعش الى الدار حتى یدفن هناک (13).

کل ذلک لمنع الناس عن مراسم التشییع، و التجلیل عن جثمان الامام، و خوفا من هیاج عواطف الناس، و تعبیرهم عن ولائهم للامام؛


1) مروج الذهب ج 4 / 86.

2) نور الأبصار / 166.

3) الفصول المهمة / 282.

4) دلائل الامامة / 216.

5) أى لم یشتهر أمر امامته بین الناس.

6) نوع من الثیاب له بطانة.

7) أى کان الناس یتحدث بعضهم مع بعض بأصوات مرتفعة کما هو شأنهم فى الأسواق.

8) ذکر المسعودى – أیضا – فى ج 4 / 84: و سمع فى جنازته جاریة تقول: «ماذا لقینا من یوم الاثنین قدیما و حدیثا؟» اشارة منها الى یوم وفاة النبى (صلى الله علیه و آله) و ما تبعها من مؤامرة السقیفة و قضایاها.

9) أى وقف بجنبه.

10) أى قال الامام العسکرى (علیه‏السلام) بأعمال أبیه التى کان یقوم بها تجاه الشیعة من الاجابة على المسائل و غیر ذلک.

11) الذى اعترض على الامام العسکرى هو ابوعون الأبرش.

12) اثبات الوصیة / 205.

13) تاریخ الیعقوبى ج 3 / 240.