جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الإمام فی سامراء

زمان مطالعه: 4 دقیقه

إنّ حجب المتوکل للإمام الهادی(علیه السلام) لدى وروده والأمر بإنزاله فی خان الصعالیک لو لاحظناه مع ما جاء فی رسالة المتوکل للإمام الهادی(علیه السلام) یحمل بین طیّاته صورة واضحة من نظرة المتوکل الى الإمام(علیه السلام). فهو لا یأبى من تحقیر الإمام وإذلاله کلما سنحت له الفرصة. ولکنه کان یحاول التعتیم على ما یدور فی قرارة نفسه ولهذا أمر بعد ذلک بإفراد دار له فانتقل

العلم بأن المتوکل هو الذی کان قد استدعى الإمام(علیه السلام) وکان یعلم بقدومه علیه، ولابد أن یکون قد استعد لذلک.

وعلى أیة حال فالذی یبدو من سیر الأحداث أن المتوکل حاول بکل جهده لیکسب ودّ الإمام ویورّطه فیما یشتهی من القبائح التی کان یرتکبها المتوکل.

وحاول المتوکل غیر مرّة إفحام الإمام(علیه السلام) بالرغم من أنه کان یضطر الى الالتجاء إلیه حین کان یعجز علماء البلاط أو وعّاظ السلاطین عن تقدیم الأجوبة الشافیة فی الموارد الحرجة.

وإلیک جملة من هذه الموارد:

1 ـ إنّ نصرانیاً کان قد فجر بامرأة مسلمة فأراد المتوکل أن یقیم علیه الحد فأسلم. فقال ابن الأکثم: قد هدم ایمانه شرکه وفعله. وقال بعضهم یضرب ثلاثة حدود. وقال آخرون غیر ذلک، فأمر المتوکل بأن یکتب الى الإمام الهادی(علیه السلام) وسؤاله عن ذلک فلما قرأ الکتاب، کتب: یضرب حتى یموت.

فأنکر ابن الأکثم وسائر فقهاء العسکر وطالبوا الإمام بالحجة من الکتاب والسنة فکتب(علیه السلام): بسم الله الرحمن الرحیم: (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وکفرنا بما کنّا به مشرکین – فلم یک ینفعهم ایمانهم لمّا رأوا بأسنا سنّت الله التی قد خلت فی عباده وخسر هنالک الکافرون). فأمر المتوکل فضرب حتى مات(1)

2 ـ وحین نذر المتوکل أن یتصدّق بمال کثیر واختلف الفقهاء فی تحدید المال الکثیر، أشار علیه أحد ندمائه بالسؤال من الإمام(علیه السلام) قائلاً: ألا تبعث الى هذا الأسود فتسأله عنه؟ فقال له المتوکل: من تعنی؟ ویحک! فقال له: ابن

الرضا. فقال له: وهو یحسن من هذا شیئاً؟ فقال: إن أخرجک من هذا فلی علیک کذا وکذا وإلاّ فاضربنی مائة قرعة. فبعث من یسأل له ذلک من الإمام فأجاب الإمام بأن الکثیر ثمانون. فلما سُئل عن دلیل ذلک أجاب قائلاً: (ولقد نصرکم الله فی مواطن کثیرة) فعددناها فکانت ثمانین(2)

إنّ هذا التنکّر من المتوکّل للإمام(علیه السلام) أو هذا التعجب من أنه قادر على الإجابة وقد عرفنا موارد منها لیشیر الى مدى حقد المتوکل وتعمّده فی تسقیط الإمام(علیه السلام) أمام الآخرین. ولکنه لم یفلح حتى أنه کان یبادر للتعتیم الإعلامی على فضائل الإمام(علیه السلام) ومناقبه، کما نرى ذلک بعد ردّه على اسئلة ابن الأکثم حیث قال ابن الأکثم للمتوکل: ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شیء بعد مسائلی هذه وانّه لا یرد علیه شیء بعدها إلاّ دونها وفی ظهور علمه تقویة للرافضة(3)

3 ـ ومن جملة القضایا التی حاول إحراج الإمام فیها قضیة زینب الکذّابة حیث أمر الإمام(علیه السلام) بالنزول الى برکة السباع.

قال أبو هاشم الجعفری: ظهرت فی أیام المتوکل امرأة تدّعی أنها زینب بنت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله علیه وآله) فقال المتوکّل: أنت امرأة شابة وقد مضى من وقت رسول الله(صلى الله علیه وآله) ما مضى من السنین، فقالت: إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) مسح علیّ وسأل الله أن یردّ علیّ شبابی فی کل أربعین سنة، ولم أظهر للناس الى هذه الغایة فلحقتنی الحاجة فصرت الیهم.

فدعا المتوکل مشایخ آل أبی طالب وولد العباس وقریش وعرّفهم حالها فروى جماعة وفاة زینب فی سنة کذا، فقال لها: ما تقولین فی

هذه الروایة؟

فقالت: کذب وزور، فإنّ أمری کان مستوراً عن الناس، فلم یعرف لی حیاة ولا موت، فقال لهم المتوکل: هل عندکم حجّة على هذه المرأة غیر هذه الروایة؟ فقالوا: لا، فقال: هو بریء من العبّاس إن لا أنزلها عمّا ادّعت إلاّ بحجة.

قالوا: فأحضر ابن الرضا(علیه السلام) فلعلّ عنده شیئاً من الحجة غیرما عندنا. فبعث إلیه فحضر فأخبره بخبر المرأة فقال: کذبت فإنّ زینب توفیت فی سنة کذا فی شهر کذا فی یوم کذا، قال: فإنّ هؤلاء قد رووا مثل هذه وقد حلفت أن لا أنزلها إلاّ بحجّة تلزمها.

قال: ولا علیک فههنا حجّة تلزمها وتلزم غیرها، قال: وماهی؟ قال: لحوم بنی فاطمة محرّمة على السباع فأنزلها الى السباع فإن کانت من ولد فاطمة فلا تضرّها، فقال لها: ما تقولین؟ قالت: إنّه یرید قتلی، قال: فههنا جماعة ولد الحسن والحسین(علیهما السلام) فأنزل من شئت منهم، قال: فوالله لقد تغیّرت وجوه الجمیع، فقال بعض المبغضین: هو یحیل على غیره لم لا یکون هو؟

فمال المتوکل الى ذلک رجاء أن یذهب من غیر أن یکون له فی أمره صنع فقال: یا أبا الحسن لم لا تکون أنت ذلک؟ قال: ذاک إلیک قال: فافعل، قال: أفعل. فاُتی بسلّم وفتح عن السباع وکانت ستة من الأسد فنزل أبو الحسن إلیها فلما دخل وجلس صارت الاُسود إلیه فرمت بأنفسها بین یدیه، ومدّت بأیدیها، ووضعت رؤوسها بین یدیه فجعل یمسح على رأس کل واحد منها، ثم یشیر الیه بیده الى الاعتزال فتعتزل ناحیة حتى اعتزلت کلّها وأقامت بازائه.

فقال له الوزیر: ماهذا صواباً فبادر بإخراجه من هناک، قبل أن ینتشر

خبره فقال له: یا أبا الحسن ما أردنا بک سوءاً وإنّما أردنا أن نکون على یقین ممّا قلت فاُحبّ أن تصعد، فقام وصار الى السلّم وهی حوله تتمسّح بثیابه.

فلمّا وضع رجله على أوّل درجة التفت إلیها وأشار بیده أن ترجع، فرجعت وصعد فقال: کلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة فلیجلس فی ذلک المجلس، فقال لها المتوکّل: انزلی، قالت: الله الله ادّعیتُ الباطل، وأنا بنت فلان حملنی الضرّ على ما قلت، قال المتوکلّ: ألقوها الى السباع، فاستوهبتها والدته(4)

إنّ هذه المواقف من الإمام(علیه السلام) لم تکن لتثنی المتوکل عما کان یراوده من الضغط على الإمام(علیه السلام) ومحاولة تسقیطه وعزله عن عامة الناس وخواص أتباعه. وکان رصده للإمام(علیه السلام) لا یشفی غلیله فکان یفتش دار الإمام (علیه السلام) بشکل مستمر وکان ذلک واحداً من أسالیبه لإهانة الإمام(علیه السلام) أو طریقاً للعثور على مستمسک یسوّغ له الفتک بالإمام(علیه السلام).


1) الکافی: 7 / 238.

2) الکافی: 7 / 463.

3) المناقب: 2 / 443.

4) بحار الأنوار: 50 / 149.